مزامير الحرمين



( مزامير الحرمين) 

لايستغرب أن يتأثر الناس بموت هؤلاء المزامير من أئمة الحرمين، ولم أر والدتي حفظها الله تبكي بحرقة كمابكت على الملك فيصل، والشيخ علي جابر يوم موتهما رحمهما الله، فقد رغب هؤلاء الأئمة الناس بحسن أصواتهم في صلاة التراويح، والقيام، والاقبال عليهما بشكل غير متوقع من الكبير والصغير، والرجل والمرأة، والقاصي والداني، حتى ان الناس كانوا يأتون للصلاة من جدة والطائف، ويستسهلون كل مشقة جراء ذلك
واني أذكر جيدا أول مزمار جيئ به الى الحرم المكي، وهو الشيخ علي عبدالله جابر ، وكان بأمر من الملك خالد رحمه الله
ولاأنسى اول ليلة صلى فيها التراويح كانت في العشر الأواخر من رمضان، وكان نصيبه منها العشر الركعات الثانية، وكنت تلك الليلة مجتمعا مع الأسرة على العشاء حول التلفاز، بعد أن صليت العشاء والتراويح في المسجد المجاور وعلى السريع كما يقال، فسمعت قراءة انسان لم تصدق أذناي ماسمعت من جمال صوت، وحسن تلاوة التي كان ينقلك فيها من طبقة الى طبقة، ومن مقام الى مقام، فتشعر انه يحلق بك في الملكوت الأعلى، فقمت من على المائدة مهرولا الى التلفاز لأنظر من قرب من هذا الامام الجديد الذي آتاه الله مزمارا من مزامير آل داود شنف به الآذان، وجذب به الأفئدة؟
فقررت في الليلة الثانية أن أصلي في الحرم، وذهبت بكل تؤدة كما أذهب في كل مرة لأكتشف مالم أكن أتوقع، المسجد الحرام يغص بالمصلين، وبالكاد وجدت لي مكانا مع أنه قبل ذلك كان يشكو من قلة المصلين، حتى انه في صلاة القيام لاتعد عن صفوف معدودة خلف الشيخ عبدالله الخليفي رحمه الله
ثم تتابعت المزامير بعد ذلك على الحرم الشريف، دون المسجد النبوي،فجيئ بالشيخ علي الحذيفي، والشيخ عبدالرحمن السديس، وكانت قراءة الحذيفي في شبابه تأخذ بالألباب، وتغير لما كبر
وكان احيانا يجتمع الشيخان علي جابر والسديس في صلاة التراويح، فلاتسأل عن عذوبة الأصوات وحلاوة الصلاة، وكانت قراءة السديس في أول ماجيئ به اجمل من قراءته الآن.
ومرة صلى الشيخ علي جابر القيام وحده فيالله ماأجمل تلك الليالي، وماأروع ذلك القيام حتى انه نسي نفسه فنبه انه تجاوز الوقت المحدد فأسرع في القراءة من غير تطريب، فكانت أجمل وأجمل، وقد قال لي أحد الزملاء لقد كانت قراءته السريعة اجمل عندي من تطريبه.
واما المسجد النبوي الشريف فبقي بدون مزامير حتى جيئ له بعد ذلك بالشيخ محمد أيوب رحمه الله فلاتسأل عن حسن صوته الحجازي الذي تهتزله القلوب وتدمع له العيون، وبقي كذلك عدة سنوات حتى عزل عن الامامة، وعزل عنها كذلك الشيخ علي جابر أكثر من مرة ولم يعد في آخر مرة حتى مات رحمه الله
واما الشيخ محمد ايوب فأعيد الى الامامة بعد انقطاع قارب العشرين عاما في رمضان الماضي لكن كان قد ادركه الكبر فتغير صوته ولم يكن في مستوى جماله السابق

ليست هناك تعليقات: