من يقدس العقل بلاعقل
لا أحد ينكر فضل العقل بداهة وطبيعة، بل وحتى عقلا، وشرعا، وان لم يثبت في فضله أي حديث، لكن عموم الآيات التي ترشد الى التفكر، والتعقل، والتدبر، وغيرها تدل ظاهرا على مكانة العقل، فكيف اذا انضاف الى ذلك أن الاسلام جعله مناط التكليف، وميز به المخلوقات الناطقة عن غيرها من المخلوقات غير الناطقة.
وقدفسح الاسلام المجال للعقل في أمور الدنيا كلها أن يبدع فيها، ويبتكر فيها، كيف ماشاء مالم يترتب على ذلك ضرر على الفرد، والمجتمع، ومالم ينه عنها لذاتها، بل اعتبر الاسلام مسابقة الكفار في الصناعات المدنية، والعسكرية من فروض الكفايات التي يأثم بها الناس القادرون جميعا اذا لم يقم بها البعض منهم
ونجد الكفار في هذا العصر حينما استخدموا عقولهم في مختلف الصناعات، فقد أبهروا العالم بمخترعاتهم، وكل هذا شيئ عظيم يدعو اليه الاسلام، ويجعلنا نشيد بالعقل أيما اشادة، ولكن في مجاله الذي فسح له فيه، ومن غير أن نقدسه، ونجعله حاكما، ومرجعا في كل شيئ حتى فيما نهي أن يخوض فيه، لأنه بكل بساطة له حدود وقدرات معينة لايستطيع أن يتجاوزها، واذا أصر على تجاوزها ضل وشقي، بل وأضل غيره
لهذا فان الاسلام يأبى أن يترك العقل بعيدا عن توجيهاته وهدايته، ولو تركه لانتهى الحال بصاحبه الى أن يكون كالحيوان، بل أضل منه، وان كان يرى نفسه وعقله ملء السمع والبصر
ولايزال كل ذي لب يتعجب من عظمة عقول الكفار التى هدتهم الى هذه المخترعات المدهشة، لماذا لم تهدهم الى الايمان الحق؟ وقد أجاب عن هذا التساؤل أحد هؤلاء المخترعين حينما سئل لماذا تذهب كل أحد الى الكنيسة وعقلك لايصدق بخرافاتها؟ فقال: اني حينما أذهب أضع عقلي خارجا
فبربك هل تستحق مثل هذه العقول أن تقدس؟ انها وان كانت عظيمة في مقاييس الدنيا الا أنها في مقاييس الآخرة لاتسوى شيئا
ولعل المنبهر بالعقل أن يرجع بذاكرته الى بداية القرن الثاني الهجري ومابعده ليجد كيف انحرف هذا العقل عن مساره حينما اعتمد على طاقاته بعيدا عن الشرع والاهتداء به، وذلك كحال علماء الكلام، والمعتزلة، والفلاسفة، وغيرهم
ولايعني هذا أن يجمد العقل فلايفكر، ولايجتهد، ولايستنبط، فهذا الفهم السقيم غير وارد شرعا وعقلا، ولولا ان علماء الاسلام استخدموا عقولهم لما خرجت الينا علوم الشريعة المختلفة من تفسير، وعلوم قرآن، وفقه، وأصول فقه، وقواعد فقهية، وعلوم حديث، ونحو، وبلاغة، وغير ذلك من العلوم، وهذا لاشك هو نتيجة انبساط العقل، وعدم جموده، وعمله في المتاح له، لكن اذا عمل في غير المتاح فالاسلام يقول له: الى هنا، وقف، روى مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(( لايزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلقَ اللهُ الخلقَ، فمن خلقَ اللهَ؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله))
نعم ان من يقدس العقل هو بلا عقل كحال الكفار، أما من يشيد به في حدوده فهو من تمام العقل
ليست هناك تعليقات: