وجاءكم النذير

( وجاءكم النذير)(١-٢)

مهلا ايها الغافل عن الآخرة، المنهمك في شهواتك وملذاتك، المعرض عن طاعة ربك، ألم تتذكر بعد وتتعظ؟ سبحان الله ماأجهلك وأشد غفلتك؟ وقد جاءك النذير، النذير الذي لاعذر لك من بعده،
وهل تعلم ياهذا أن نذارته لك فيها كمال الانذار، والاعذار؟ فمتى بربك تعود الى رشدك وعقلك؟ وتعمل لآخرتك، وتعلم انه لا إعذار بعد إنذار؟ ثم أتدري حقا مامعنى( النذير) ؟ هاأنا أسوق لك ماذكره المفسرون فيه من معان، لعل واحدة منها توقظك من غفلتك وسباتك، فمن ذلك:
١- انه الرسول صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى( هذا نذير من النذر الأولى) النجم٥٦، وقوله( كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا) الملك٨-٩ وأي نذير أعظم وأتم وأكمل وأهدى من الرسل عليهم الصلاة والسلام
٢- الشيب، وروي هذا المعنى عن ابن عباس، وعكرمة، وقتادة، وغيرهم، وهو يغزو الشخص في الغالب في الأربعين فمابعد، فاذا وصل الانسان الى هذه المرحلة وجب عليه أن يشتغل بأعمال الآخرة أكثر من اشتغاله بأمور الدنيا، فاذا أمد الله عمره الى الستين لم يبق له أي عذر عند الله كما روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(( أعذر الله عز وجل الى امرئ أخر عمره حتى بلغه ستين سنة)) أي بلغ به اقصى العذر لأن الستين قريبة من معترك المنايا، وهي سن الانابة والخشوع وترقب المنية ولقاء الله تعالى، قال الامام مالك: ادركت اهل العلم ببلدنا وهم يطلبون الدنيا والعلم، ويخالطون الناس حتى يأتي لأحدهم اربعون سنة فاذاأتت عليهم اعتزلوا الناس، واشتغلوا بالقيامة حتى يأتيهم الموت.انتهى
قال الشاعر:
رأيت الشيب من نذر المنايا.....لصاحبه وحسبك من نذير
وقال آخر:
فقلت لها المشيب نذير عمري...ولست مسودا وجه النذير
فاذا لم يبق للمرء اي عذر اذا بلغ الستين، فكيف اذا بلغ السبعين، والثمانين؟ وأي أمل له في الحياة بعد هذه السن؟ وهل يعتبر عاقلا من بلغ هذا العمر ، ثم تراه يقاتل على الدنيا فيزهق آلاف الارواح البريئة، ويضيق على الناس معايشهم، ويدمر المنازل، والمنشآت؟ فياترى ماذا بقي له من العمر ليستمتع به اذا انتصر؟ أم ان هذا الشخص في ميزان الشرع والعقل هو أحمق الحمقى، وأخسر الخاسرين

( وجاءكم النذير) (٢-٢)

ومن معاني النذير:
٣- انه القرآن الكريم، وأعظم به من نذير، كما قال تعالى( وأوحي الي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) الانعام١٩، وقال( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) ق ٤٥
٤- وقيل النذير: الحُمّى، وقد روي في الحديث انهارائدة الموت، والحمى هي تعبير عن المرض عموما، خاصة اذا كان مزمنا، او خطيرا، كأمراض القلب، والفشل الكلوي، والسكر المتقدم، او فتاكا كأمراض السرطان الخبيث، والإيدز، ونحوذلك، والعجب من أناس عندهم شيئ من هذه الأمراض، ولايزالون في لهوهم وغيهم يسرحون، ويمرحون، لقي أحد الدعاة احد مرضى السرطان الميؤس من حياته، وهو في غفلة شديدة عن الآخرة ولايتأخر عن فعل أي معصية يقدر عليها فسأله لماذا ياهذا؟ أليس في مرضك نذير لك، و فيه مايدعوك الى التوبة؟ فقال: انه يريد أن يستمتع بمابقي من حياته، فأي غفلة أعظم من هذه الغفلة؟ وأليس هؤلاء أقرب الى الموت ظاهرا من غيرهم؟
حدثني طبيب أن احد مرض السكر مات بسبب هبوطه لديه فجأة بعد ان مارس رياضة السباحة،بمجرد انتهائه منها، ولم يستطع ان يتداركه حيث سقط مغمى عليه، وبقي كذلك حتى مات، وحدث ماشئت عن حوادث مماثلة
وأما من يموت بسبب ارتفاعه فلايحصون كثرة، وكذا من يموت بمرض القلب، او الفشل الكلوي، او الايدز، او غير ذلك من الأمراض الفتاكة، وليست المشكلة في هذه الأمراض ابدا لأنها ابتلاء من الله للمؤمن وهي مكفرات للذنوب، ورافعة للدرجات، ولكن المشكلة فيمن لايتعظ بها، ولايستدرك مابقي من حياته في عمل صالح يقربه من الله
٥- وقيل النذير: هو موت الاهل، والاقارب، والاصحاب، والاخوان، وسائر الناس، اي ان موت هؤلاء هو نذير لغيرهم بأن مصير الاحياء هو مصير الاموات مهما تأخر الأجل، لو كانوا يعقلون، قال الشاعر:
الموت في كل حين ينشر الكفنا....ونحن في غفلة عمايرادبنا
وفي الحديث(( كفى بالموت واعظا))، غير ان كثيرا من الناس، بل أكثرهم من شدة قسوة قلوبهم لم يعد يتعظ بمن مات قبله، فتراه يصلي على الجنازة، ولايتأثر، ويمشي خلفها وهو يضحك، ويهيل عليها التراب وهو غير مكترث، حاله تماما كحال نباشي القبور، وحفاريها، ومغسلي الموتى، الذين لم تعد ترمش لهم عين، ولايخفق لهم قلب من كثرة مشاهدة الموتى وتقليب اجسادهم
٦- وقيل: النذير هو كمال العقل، وذلك لأن بالعقل تعرف حقائق الامور، ويعرف الخير والشر، والسيئة والحسنة، وتميز المصالح من المفاسد، والعاقل في الحقيقة هو من يعمل لآخرته، ويرغب فيما عند ربه، وضده الأحمق الذي يعمل لدنياه فقط، وينسى آخرته
اللهم اجعلنا ممن يتعظ ويتذكرa

ليست هناك تعليقات: