جاءني بعض الشباب المحب للشريعه المتحمس لتطبيقها سائلا عن اقامة الحدود كالسرقه ونحوها فاجبتهم بالاتي:
* الحدود جزء من الشريعه وليست كل الشريعه ومن شمول الشريعه توفير الامن الغذائي للناس قبل قطع ايديهم على السرقه اذ لا قطع في المجاعه اتفاقا ومن شمولية الشريعه منع الفساد الاخلاقي في المجتمع وتربيته على العفاف وتسهيل الزواج قبل اقامة حد الزنا وهكذا في كثير من الحدود وتطبيق الجزء واهمال الباقي يشوه الكل
* اقامة الحدود مهمة الدوله باتفاق الائمة وليس للافراد او الجماعات اقامتها لاسيما مع تعدد الجماعات والأفراد واختلافهم ومع مخالفات كثير منهم للشريعه قولا وفعلا بل وارتكاب بعضهم ما يقتضي اقامة الحد عليه فهل سينزلون بانفسهم او باقاربهم ممن ثبت عليهم مايريدون اقامته على غيرهم ؟ الواقع يقول لا
*اقامة الدوله للحدود ينهي باب الثأر والانتقام ويقنع الناس بوجوب الخضوع للشرع عبر جهة تراضى عليها الناس هي الدوله بخلاف اقامة الافراد او الجماعات للحدود فهذا يفتح باب الانتقام ويجمع الناس لمواجهة اي جهة تقيم الحدود غير الدوله وهذا يؤدي الى تهارج وفتن واحتراب المجتمع ومنكرات اعظم من معروف اقامة الحد
* لاقامة الحدود ضوابط وشروط مشدده تجعل تنفيذ الحد محدودا ونادرا ومن قرأ الحدود في كتب الفقه يعرف ما يحيط بكل حد من الشروط والضمانات بل يجد الانسانيه والرحمه لا تفارق اشد الحدود
*وساذكر على سبيل المثال بعض هذه الضوابط :
*منها التريث والتأني في اقامة الحدود ودفعها ما امكن حتى تستوفى شروط اقامتها بشكل لاشبهة ولاعذر فيها
قال عمر رضي الله عنه
لان اعطل الحدود بالشبهات احب الي من ان اقيمها في الشبهات صححه ابن حزم واقره الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير ٦٣/٤والسخاوي في المقاصد الحسنه٧٤
وقال ابن مسعود ادرؤوا القتل والجلد عن المسلمين ما استطعتم رواه البيهقي وحسنه الالباني في الإرواء
* منها أجمع العلماء على: أن الغاصب، والمختلس - الاختلاس الخطف-والمنتهب لا يقطعون، لنهي الرسول عن ذلك كما ثبت في السنن بسند صحيح وعليهم التعزير بالجلد اوالحبس ورد المسروق والحكمه من عدم قطعهم امكان إدراكهم والاستنجاد بالناس عليهم وغير ذلك من الحكم
*ومنها ان من سرق شيئا بنية ارجاعه فلا قطع عليه عند جمع من الائمة كما في الموسوعه الفقهيه الكويتيه
*ومنها انه لا يقام الحد الا بطلب من المعتدى عليه لقوله صلى الله عليه وسلم ( تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب) رواه ابو داود بسند صحيح فامر النبي ان لا يرفع الناس اليه باي حد وان يتسامح من اتى حدا مع المعتدى عليه او يستروه ان كان ستره لايشجعه على الفساد لانهم لو طالبوا باقامة الحد من الرسول عليه الصلاة والسلام فسيقيمه
اذا لا يقام الحد الا بطلب من المعتدى عليهم ولا يقام بغير مطالبته وهومذهب جمهور العلماء كمافي توضيح الاحكام ٢٨٢/٦للشيخ البسام
* ومنها الا يهلك في حد السرقه او الجلد فان خشي هلاكه لايقام الحد
*ومنها اشتراط الحرز في السرقه والحرز ضابطه العرف كما قال الائمة انظر الروضه النديه ٢٩٤/٣ للعلامه حسن صديق وهذا يعني ان تحقيق كون المسروق محرز او لا يحتاج لبحث وتحقق
*ومنها ان من اعترف باي حد يستحب للقاضي او الحاكم تلقينه الانكار فالغرض تشجيع الناس على التوبه والستر لا اقامة الحد لذاته
ففي مسند احمد بسند صحيح ( ان سارقا اعترف عند النبي صلى الله عليه وسلم بالسرقه ولم يكن المال المسروق معه فقال له رسول الله ما إخالك سرقت؟ - اي ما اظنك-قال: بلى، فأعاد عليه مرتين، أو ثلاثا، فأمر به، فقطع،)
ففيه مشروعية تلقين المعترف الانكار وهو قول عامة الفقها انظر سبل السلام حديث رقم ١٠٧٣ للامام الصنعاني توضيح الاحكام٢٨١/٦للعلامه البسام
وفي الصحيحين ان الرسول صلى الله عليه وسلم اعرض عن ماعز اربع مرات لما اعترف بالزنا وقال له ويحك ارجع فاستغفر الله وتب
ثم لقنه أعذارا فقال لعلك قبلت لعلك غمزت الخ ولما هرب من الرجم بعد ان شعر بالموت قال رسول الله هلا تركتموه وفي هذا تلقين واضح لمن اقر على نفسه بحد ان يتراجع وينكر فاي انسانيه ورحمة تحيط به الشريعه حدودها
وعن القاسم بن عبد الرحمن أن عليا -رضي الله عنه- أتاه رجل فقال: "إني سرقت، فطرده ثم عاد مرة أخرى فقال: إني سرقت فأمر به أن يقطع".
وفي لفظ: "لا يقطع السارق حتى يشهد على نفسه مرتين" حكاه أحمد في رواية مهنا رواه ابن ابي شيبه في المصنف بسند صحيح
وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- " أنه أتي بجارية سوداء سرقت، فقال لها: سرقت؟ قولي لا، فقالت: لا، فخلى سبيلها" رواه ابن ابي شيبه بسند صحيح ونقل نحوه عن ابي بكر وعمر وصحح هذه الاثار المحدث الالباني في إرواء الغليل
فهل هناك فقه ارحم واشفق من هذا الفقه ؟ فاين يذهب منه من يفرح بالقطع اوالرجم اوالجلد ويحرص على اثباته بشبهات او ابقائه مع وجود شبهات
* ان المفتي والعالم اذا نزلت به نازله واعيته مساله فانه يلجأ الى الله ويستخير ويتوب ويكثر من الاستغفار والذكر ليهتدي الى الحق كما ذكر ابن القيم في اعلام الموقعين ٢٢٢/٤ فاذا كان العالم يفعل ذلك فكيف لا يفعل ذلك الشباب المتحمسون لاقامة الحدود وهي مساله هامه وخطيره ولها تداعيات كبيره الا تستحق مزيدا من الورع وتقوى الله والرجوع للعلماء الثقات للاستشاره وطلب مافيه النجاه ومرضاة الله
* ومن قواعد الشرع المتفق عليها كما يقول ابن القيم "لا واجب مع العجز ولا حرام مع الضروره"
اعلام الموقعين ٤٧٨/١
ولاشك ان القدره على خطف شخص او اكثر وقتلهم او قطع ايديهم لايعني القدره الشرعيه المقصوده لان هذه عمليه تمت خلسه سيعجز الخاطفون عنها وعن اقامة الحد لوعلمت قيادة المقاومه اوالمجلس العسكري او عموم الناس ذلك وتحركوا لمنعهم اوعلم اهل المخطوفين لتحركوا لمنع ذلك وربما تسلحوا واشتبكوا مع من يريد اقامة الحد على اولادهم وإخوانهم وسيسقط قتلى وجرحى وفساد عريض اكبر من مصلحة اقامة حد من الحدود وهكذا تصبح مفاسد اقامة الحد خارج الدوله اوخارج توافق الناس على جهة تديرهم وتحكمهم اعظم من مصلحة فعل الحد
وهذا كله يجعل من يريد اقامة الحدود في حكم العاجز حقيقه وحكما حتى ان تمكن من خطف البعض واقامة الحد عليهم خفيه وعلى وجل فالقدره اذا تعني القدره على اقامة الحدود الشرعيه بشكل ظاهر وبعد استيفاء الشروط وانتفاء موانعها و في اي مكان وقع فيه مايستلزم الحد ولا يترتب عليه مفاسد ولا تهارج واعتداء على من اقام الحدود وهذا لا يتحقق لغير دوله
* لاقامة الشريعه مقاصد شرعيه كبرى وحكم منها ردع المجرمين وصيانه اموال واعراض الناس وتحقيق امن المجتمع وصون ايمانه ورغبة الناس بالشريعه وتحبيبها اليهم وهذا
لا يتحقق ابدا بغير دوله لها هيبه تبسطها على كل بقعه ويستحيل تحقيق ذلك في حاره او منطقه يسكنها شباب متحمسون يريدون تطبيق الشريعه في مكان تواجدهم والفوضى تحيط بهم من كل جهة بل يعيشون فيها وهم يريدون اقامة الشريعه في مساحتهم الضيقه ويتوهمون انهم يمكن ان يجنوا بركات تطبيق الشريعه في مساحة سيطرتهم المؤقته والتي تشبه الرمال المتحركه فهم سيخرجون منها الى منطقه اخرى وهكذا ينتقلون وينقلون معهم التطبيق الناقص للشريعه الذي يشوهها
* الخلاصه مالآت اقامة الحدود بغير دوله تنفير الناس من الشريعه وظلم المحدودين لعدم استكمال شروط اقامة الحدود وضوابطها في حقهم وتقوية جبهة المحاربين للشريعه ودعاتها محليا وعالميا باحتجاجهم بمفاسد التطبيق المتهور للشريعه
*لا يكفي حب الشريعه دون فقه عميق بها ونظر اصولي في تنزيل أحكامها والرجوع للعلماء الراسخين لا يكفي وحده في نيل رضى الله وحسن العمل بشريعته فان كنتم تحبون الشريعه حقا وصدقا فلا تطبقونها حتى لا تشوهونها
*بل لا تمارسوا مهام الدوله حتى في مجرد حبس الناس فضلا عن اقامة الحدود عليهم
فحلوا مشاكل الناس وساعدوهم بعيدا عن القوة وتوهم السلطه وفقكم الله ونفع بكم وجنبكم فتنة القوة وسؤ فهم الشريعه
ليست هناك تعليقات: