(منزلة الشريعة في الاسلام) (١- ٨) ....بقلم الدكتور الخميسي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الصادق الأمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فلكل أمة من الأمم شريعتها الخاصة بها التي تتعبد الله بها، وتحتكم إليها، وتسير شئون حياتها اليومية على ضوئها، كما قال تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً} المائدة ٤٨
لكن هذه الشرائع وإن كانت خاصة بأممها، ومختلفة بعضها عن بعض إلا أنها متفقة فيما بينها في قضايا الإيمان، وأصول الدين، وفي كثير من الأحكام العملية، واختلافها إنما هو في بعض الأحكام، وكيفية تطبيقها، وكذلك من حيث شدتها وخفتها، وحرمتها وحلها، فقد يكون شيئ ما حلالاً في شريعة ما، وحراما في شريعة أخرى، وشديدا في شريعة، وخفيفا ويسيرا أومنسوخا في شريعة أخرى كما قاله ابن كثير وغير واحد من المفسرين والعلماء
١= معنى الشريعة:
وتطلق الشريعة والشِّرْعة في اللغة على العتبة ومورد الشاربة
والمراد بها في كتاب الله وعند علماء الاسلام: الشرع والدين، والحدود، والأحكام العملية التي شرعها الله في كتابه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} الجاثية ١٨
وقال: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً} المائدة ٤٨، وقال( وماآتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا) الحشر٧ وقال صلى الله عليه وسلم(( ألا وإن ماحرم رسول الله مثل ماحرم الله))
٢=التشريع من خصائص الله، وحكم من يشرع، أو يقنن قوانين مخالفة للشريعة:
وإذا كانت الشريعة بهذا المعنى الاصطلاحي الذي ذكره العلماء، ودلت عليه نصوص الكتاب والسنة والاجماع فإن التشريع حينئذٍ يكون من أخص خصائص الله تعالى ولا يجوز منازعته فيه أبدا، بل إن من ينازع الله تعالى فيه فقد جعل من نفسه نداً وشريكا له جل وعلا، ونصب نفسه إلها من دون الله، وذلك هو الشرك والكفر الأكبر بعينه، والذي لم يختلف عليه أحد من العلماء قال تعالى: {إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين} الانعام ٥٧، وقال: {إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يوسف ٤٠
وقال: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله} الشورى ٢١
وفي هذه الآية الكريمة إنكار من الله تعالى على من شرع بهواه ما يخالف شرعه القويم، ودينه المستقيم، وجعل سبحانه ذلك من الشرك به.
قال ابن كثير في معنى هذه الآية: أي هم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم، بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس من تحريم ما حرموا عليهم من البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، وتحليل الميتة، والدم، والقمار، إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالة الباطلة التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم من التحليل والتحريم، والعبادات الباطلة والأقوال الفاسدة .
قلت: وقد سمى الله تعالى في كتابه من يفعل مثل فعل هؤلاء مع علمائهم، وعُبَّادهم، وحكامهم من تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله، وتشريع مالم يأذن به الله سماهم: عُبَّادا لهم من دون الله تعالى، أي أنهم اتخذوهم أندادا وأربابا وشركاء لله تعالى، قال سبحانه: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله} التوبة ٣١، وقد سمع عدي بن حاتم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية، فقال: لسنا نعبدهم؟ قال: ((أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال بلى، قال: فتلك عبادتهم))
فطاعة العلماء والحكام في تحليل وتحريم وتشريع ما يخالف الدين شرك أكبر مخرج من الاسلام كما نصت عليه هذه الآية
.(منزلة الشريعة في الاسلام) (٢-٨)
٣=الاجتهاد في الشريعة:
وإذا كان الله تعالى قد جعل التشريع من خصائصه سبحانه وحرم على كل أحد القيام بذلك لأنه يعتبر من منازعته تعالى في ألوهيته، فقد أباح جل وعلا الاجتهاد في دائرة الشريعة لذوي الاختصاص من العلماء والفقهاء في أن يستنبطوا منها الأحكام العملية التي لم يرد فيها نص، لأن ما ورد فيه نص فلا اجتهاد فيه بلا خلاف، وذووا الاختصاص عند العلماء هم من تتوفر فيهم شروط الاجتهاد، وليس كل أحد من الناس ولا كل عالم أو فقيه، وقد نصوا على هذه الشروط في كتب أصول الفقه وهي:
١- أن يكون المجتهد عالما بنصوص الكتاب والسنة المتعلقة بالأحكام وما يمت إليهما من علوم الآلة
٢- وعارفا بمسائل الإجماع حتى لا يفتي بخلاف ذلك
٣- وعالما بلسان العرب من لغة ونحو، وصرف، وبلاغة، ونحوها
٤- وعالما بأصول الفقه وقواعده
٥- وعالما بالناسخ والمنسوخ في الكتاب والسنة.
ولا يشترط عند العلماء على الأصح أن يكون حافظا لهذه الشروط، وحاويا لها في صدره غير أنه لا يجهلها بلا شك، ولكن يشترط معرفته بالبحث في كتب أهل العلم، وقدرته على الاستنباط منها في ضوء هذه الشروط الآنفة الذكر
وللحقيقة فان هذه الشروط قلما تجتمع في شخص ما في هذا العصر إلا ما شاء الله، ومن اجتمعت فيه، أو علمها فحري أن يكون عالما فقيها مجتهدا.
ولك أن تتساءل وتسأل نفسك بعد هذا هل أعضاء مجلس النواب في بلادنا تتوفر في أحدهم هذه الشروط أو حتى بعضها؟ الذي يجزم به يقينا أن أكثر من ٩٥% منهم جهلة بالعلوم الشرعية، وإن كان بعضهم عالما في غيرها وفي تخصصه، فهل يجوز للجاهل بالشرع شرعا، وعقلا أن يجتهد أو يبدي رأيه في استنباط قوانين من الشريعة التي يجهلها؟ سبحان الله إن هذا من أكبر المنكرات، وأعظم الموبقات، ومن القول على الله تعالى بغير علم قال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} الاسراء ٢٦، وقال: {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} الأعراف ٣٣
٤= وجوب الحكم بالشريعة: والحكم بالشريعة من أوجب الواجبات على الحاكم المسلم، إذ هو المنوط به تطبيقها، وتنفيذ أحكامها، وإقامة حدودها من قبل الشرع، وليس أي فرد آخر، والتفريط في هذا الأمر من قبله هو تفريط في المسئولية، والأمانة التي حمله الله تعالى إياها، ومن أعظم الغش للرعية وقد جاء في الحديث الصحيح ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)) متفق عليه
ولا يعذر هذا الحاكم من المساءلة ابدا بين يدي الله اذا فرط في الشريعة إلا بما يعذر به العاجز المكره، كما قال تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} البقرة٢٨٦ وقال: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} النحل ١٠٦
وكما جاء في الحديث: ((الامام راع ومسئول عن رعيته)) متفق عليه
واذا كان الحكم بالشريعة بين الناس هو من الواجبات المنوطة بالحاكم فقط، خاصة فيما يتعلق بإقامة الحدود، فليس لأي فرد، ولاحزب، ولاجماعة، ولاتنظيم أن يقيم حدا على أي فرد آخر ولو كان غير مسلم، اجتهادا من نفسه،ومن غير حكم قضائي، يصدر من قضاء الدولة المسلمة، حتى ولوكان هو ولي الدم، وقد أجمع العلماء على ذلك، ونقل الاجماع عليه الامام ابن قدامة رحمه الله في كتابه المغني، إلا في حد واحد، هو حد الزنا على العبد من قبل سيده، وماسوى ذلك يعتبر افتئاتا على حق الحاكم المسلم، يستحق القائم به أي عقوبة تقررها الشريعة.
وليس لهؤلاء أن يحتجوا بتعطيل الشريعة وعدم تطبيقها من قبل الحاكم، لأن هذا الحق جعله الله للحاكم خاصة حسما للفوضى والاختلاف في المجتمع، وهو المسئول عن ذلك يوم القيامة وحده دون سواه من الأمة، وأيضا لإجماع الأمة كما تقدم على عدم اقامة الحدود من قبل الأفراد الافي اقامة السيد على العبد حد الزنا، ثم كيف تختزل الشريعة في الحدود فقط، ولايطالب باقامة غيرها من صلاة، وصيام، وزكاة، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وأخلاق فاضلة، واجتناب الأخلاق السيئة وغير ذلك من فرائض الاسلام، وقد ضيعت، وهي أعظم عند الله من اقامة الحدود،
ان هذا يعتبر من الحصر المرفوض للشريعة، ومن الايمان ببعضها دون بعض.
وقد تنوعت أساليب القرآن الكريم في إبراز هذا الوجوب للأمة وللحاكم على وجه الخصوص
-فتارة يصرح بالأمر بتحكيمها ووجوب اتباعها، كما في قوله تعالى: {و أن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم} المائدة ٤٩
وقوله: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} الجاثية ١٨
-وتارة بنفي الإيمان عمن لم يحتكم إليهاكما في قوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} النساء ٦٥
-وتارة بكفر من لم يحكم بها وظلمه وفسقه كما في قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} المائدة ٤٤، { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} المائدة ٤٥، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الفاسقون} المائدة ٤٦
- وتارة ببيان عظم حسن الشريعة، وقبح وجاهلية من يحتكم لغيرها ولا يحتكم اليها كما في قوله تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} المائدة ٥٠
تختص الشريعة الاسلامية بخصائص لا توجد في غيرها من الشرائع السماوية، والقوانين الأرضية، مما يحتم على المسلمين كافة التشبث بها، وعدم القبول بغيرها مهما كان الثمن، ووجوب مطالبة الحكام بتحكيمها والتحاكم إليها، ومن هذه الخصائص:
أولا: كونها من عند الله تعالى، ويعني ذلك أنها:
ا- محكمة لا اختلاف فيها، ولا تعارض بينها، ولا تناقض {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} النساء ٨٢ ،{أليس الله بأحكم الحاكمين} التين ٨، {ألر، كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} هود ١
ب- عادلة لا ظلم فيها ولا جور ، {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} النساء ٤٠، {وما ربك بظلام للعبيد} فصلت ٤٦، {إن الله لايظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون} يونس ٤٤
ج- حسنة لا قبح فيها ولاتشويه قد بلغت في الحسن أكمله وأبهاه {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} المائدة ٥٠
د- ميسرة وسهلة لا كلفة فيها ولا مشقة ولا عنت {وما جعل عليكم في الدين من حرج} الحج ٧٨، {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} البقرة ١٨٥، {ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم} البقرة ٢٢
ثانياً: من خصائصها: كونها شاملة لا قصور فيها، ولا نقص، ولا خلل، وشموليتها في أنها تشمل جميع أمور الدين والحياة، سواء في نصوصها التفصيلية، أو في قواعدها وكلياتها العامة، فليس من قضية تطرأ على الحياة إلا وتجد لها حلا، أو حكما في الشريعة، إما نصاً خاصا،ً أو عاماً، أو قياسا، أو اجتهادا مبينا على أسس الشريعة وقواعدها قال تعالى: {تبياناً لكل شيئ} الأنعام ٣٨، وقال( مافرطنا في الكتاب من شيئ) الانعام ٣٨
ثالثاً: صلا حيتها لكل زمان ومكان و تكمن هذه الصلاحية في أن الذي شرعها وأنزلها هو الله تعالى العالم بأحوال خلقه وما يصلحهم في سائر شئون حياتهم، بل هو سبحانه أعلم بهم من أنفسهم {ألا يعلم من خلق} الملك ١٧،
وقد جعل سبحانه هذه الشريعة متناسبة، ومتزنة، ومتوافقة مع فطر الناس، وتكويناتهم، ومع أصلهم وجنسهم، ومع اختلاف ألوانهم وألسنتهم، فلا تجد المسلم الأعجمي مثلاً، ولا الانسان الأسود، ولا المرأة يشكون من تمييز في حكم الله تعالى، وقضائه، ولا أن هذا الحكم لا يصلح لهم، ويصلح لغيرهم، وإنما تجد الجميع مستسلما ومنقادا لأمر الله، وحكمه، وشرعه، متمثلين في ذلك قوله تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون} النور ٥١
ومن أبرز مظاهر صلاحيتها:
١- الخطاب العام الذي لا يحدد أمة دون أمة، ولا عصرا دون عصر، ولا فردا دون آخر، كقوله تعالى: {ياأيها الناس}، و{يا أيها الذين آمنوا}، {والسارق والسارقة}، {والزانية والزاني}، {الذين يأكلون الربا}، {والذين يرمون المحصنات}، {ومن لم يحكم بما أنزل الله}، {والذين يرمون أزواجهم}، إلى غير ذلك من الخطابات العامة التي يقصد بها المسلمون في كل عصر وزمان، ومكان
٢- كون الرسول صلى الله عليه وسلم هو خاتم الرسل والأنبياء فلا نبي بعده، ورسالته عامة لجميع الناس في عهده ومن بعدهم إلى يوم القيامة، كما قال تعالى: {قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً} الأعراف ١٥٨، وكذلك ما أنزله الله تعالى عليه من تشريعات هو عام تبعا لرسالته العامة لا يختص بعصره، ولا بالقوم الذين بعث فيهم
٣- لو كانت الشريعة خاصة بعصر دون عصر لكان الأمر بالصلاة والزكاة والصوم والحج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد، وغير ذلك من العبادات هي خاصة بذلك العصر ، ولا قائل بهذا، بل ومن يقول به ليس من المسلمين قطعا
رابعاً: كونها ثابتة لا تتغير، ولا تتبدل، ولا يدخلها تحريف، ولا زيادة ولا نقصان، كما قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} الحجر٩ ، وقوله: {لا تبديل لكلمات الله} يونس ٦٤ وقوله: {والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب} الرعد ٤١
وللشريعة من حيث هي شريعة ولتحكيمها، والحكم بها، فضائل كثيرة تدل على عظمتها وخيريتها على جميع الشرائع السماوية والأرضية، من ذلك:
أولاً: التعبد لله بإقامة شرعه كما يتعبد المسلمون ربهم بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم، والحج، وسائر العبادات، وذلك لأن العبادة مفهومها واسع جدا وهي غير منحصرة في الشعائر التعبدية، ففعل ما يحبه الله تعالى من الأقوال والأفعال، والخضوع له، والانقياد له في أمره، ونهيه، وشرعه، والوقوف عند حدوده، كل ذلك من العبادة لله تعالى وهويدخل في معنى قوله: {ياأيها الناس اعبدوا ربكم ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} البقرة ٢١ ، أي اعبدوه بطاعته، وتوحيده والاخلاص له، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، وتطبيق شرعه، والوقوف عند حدوده.
ولا غرو أن من يعبد الله حق عبادته بمفهومها الواسع الشامل أنه يكسب بذلك ثواب الله تعالى، وجنته، ورضاه عنه.
ثانياً: تحقق الفلاح والهداية والسعادة لمن يقيم شرع الله
قال تعالى: {ومن يعتصم بالله هدي إلى صراط مستقيم} آل عمران ١٠١، أي ومن يتمسك بحبل الله، ودينه، وشرعه، ويحكم به، فقد هدي إلى صراط مستقيم
وقال: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} آل عمران ١٠٤، ومن أعظم الأمر بالمعروف: إقامة شرع الله، وتنفيذ حكمه، وتطبيق حدوده، وقطع دابر الفساد والمفسدين، وقال: {من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} النحل ٩٧، وإقامة الشريعة والحكم بها من أعظم الأعمال الصالحة التي يتقرب بها إلى الله
ثالثاً: الحفاظ على حقوق الناس وممتلكاتهم وحياتهم وأعراضهم، وصيانتها من الإعتداء عليها
ونجد أن الشريعة الاسلامية لم تفرق بين الناس جميعا مسلمهم وذميهم ومن في حكمهم في هذا الجانب فجميعهم فيه سواء يحرم الإعتداء عليهم في أنفسهم، وأموالهم، وأعراضهم، وقد أناطت الشريعة بكل جرم تجاه هؤلاء عقوبته العادلة به الذي يحفظ لكل شخص حياته، وحقه، وعرضه، وقد يقول قائل: إن مثل هذا الحفاظ والصيانة للأرواح والممتلكات موجود في قوانين الدول ودساتيرها اليوم فما هو الجديد في الشريعة؟
وأقول: نعم هو كما ذكر هذا القائل، لكن هذه القوانين تتغير وتتبدل من زمن إلى زمن، ومن عصر إلى عصر فما هو جرم في زمن يصبح غير ذلك في زمن آخر، وما يستحق عليه الإعدام في عصر، يصبح في عصر آخر تعديا على أرواح الناس وازهاقا لها، وما هو عنصرية في حق أناس في زمن، يصبح وطنية في زمن آخر، وما هو إرهاب في عصر، يصبح محاربة للإرهاب في عصر آخر ...إلخ
وكم من قوانين تغيرت وتبدلت فضاعت بذلك أنفس، وأموال، وانتهكت حرمات، وأعراض
أما الشريعة الاسلامية فلا تتبدل ولا تتغير، ويظل الحرام فيها حراما، والجريمة فيها جريمة، والعقوبة كما هي إلى أبد الآباد، وهذا ما يميز الشريعة عن غيرها فيالله ماأعظمها؟
رابعاً: اغداق الرزق والنعم على الناس وبسط الدنيا عليهم وفتح أبواب الخير لهم من كل حدب وصوب كما قال تعالى: {ولو أنهم أقاموا التوارة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} المائدة ٦٦
وقد يعترض على هذا بما وصل إليه الكفار اليوم من نعم وبسط وافر للدنيا عليهم بما لا ينكره أحد مع أنهم لا يقيمون التوراة والإنجيل ولا يؤمنون بالله الإيمان الحق؟
وهذا الاعتراض في غير محله لأن المقصود بهذه الآية السابقة هم اهل الكتاب في ذلك العصر، وقيل :من آمن منهم كعبدالله بن سلام ونحوه، وليس المقصود بهم كفارهم في كل عصر لأن الكفار عموما قد بين الله تعالى أنه إن أغدق عليهم من نعمه فإنما يغدق عليهم ليزدادوا كفرا وإثما حتى يعظم لهم العذاب في الآخرة كما قال سبحانه: {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين} آل عمران ١٧٨
خامساً: بسط الأمن ونشره في عموم البلاد وليس في هذا الأمر شك، فإن في تطبيق الشريعة وإقامة الحدود تأمينا للناس على حياتهم، وحرياتهم المشروعة، وممتلكاتهم، كما قال تعالى: {ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب} البقرة ١٧٩،
وذكر القصاص في هذه الآية هو مثال لما سواه من الحدود التي تنتشر الحياة، والأمن العام بسببها، وفي الحديث الذي صححه بعض الأئمة: ((إقامة حد في الأرض خير للناس من أن يمطروا أربعين صباحاً)) رواه ابن ماجة وغيره
سادساً: قطع دابر المجرمين والمفسدين في الأرض
فإن من يستيقن أنه إذا قتل سيقتل، وإذا سرق ستقطع يده، وإذا زنى سيرجم إن كان محصنا، ويجلد إن كان غير محصن، لن يقدم على فعل جريمته، وإذا أقدم وفعلها وطبق عليه الحد كان رادعا وزاجرا لغيره، وقاطعا لكل طرق وأسباب الجريمة، ولهذا المعنى حرص الاسلام أن يشاهد إقامة الحدود نفر من الناس المؤمنين ليتحقق الردع الكامل منها كما قال جل شأنه: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} النور ٢
ومعنى آخر في المجرم نفسه فيما يتعلق ببعض الحدود غير القصاص، إذ أن إقامتها عليه رادعة له من المعاودة لذلك الجرم، فمن سرق وقطعت يده، هل يتوقع أن يعاود السرقة وهو يعلم أنه ستقطع رجله اليسرى، إن عاد للسرقة مرة أخرى؟
ومثله الزاني غير المحصن، وشارب الخمر، بالنسبة لحد الجلد، وبهذا تتحقق الحياة والخيرية للأفراد والمجتمع بأسره
سابعاً: إعلاء شأن الشريعة وإظهار محاسنها على سائر الشرائع والقوانين
فالشريعة في أحكامها وارشاداتها،
وتوجيهاتها حسنة كلها بل لا أحسن منها على الإطلاق كما قال تعالى: {ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} المائدة ٥٠، وقال: {الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً} الزمر ٢٣
ومن محاسنها التي سبقت بها غيرها، وأبهرت بها العقول:
صلاحيتها لكل زمان ومكان وحفظها من التغيير والتبديل والتحريف كما سبق بيانه، ومساواة الناس جميعا سواء كانوا حكاما أو محكومين، رجالا أو نساء، أحرارا أو عبيدا، عربا أو عجما، مسلمين أو غير مسلمين أمام أحكامها، حيث لا تستثني شريفا لشرفه، ولا كبيرا لمنزلته، ولا عبدا لحقارته، فالكل تجري عليهم أحكام الشريعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) متفق عليه
ثامناً: محبة الله تعالى للحاكم العادل المقسط الذي يقيم الشريعة ويحكم بما أنزل الله، قال تعالى: {فإن جاؤك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئاً وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين} المائدة ٤٢
تاسعاً: تحريم الخروج على الحاكم المسلم الذي يحكم بالشريعة وجوازه على من يقصيها ولا يحكم بها رغبة عنها قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} النساء ٥٩،
وأجمع العلماء على تحريم الخروج على الحاكم المسلم العادل، ولاأعدل ممن يحكم بشرع الله، ويقيم حدودالله
عاشراً: الحاكم المسلم الذي يطبق الشريعة هو حاكم عادل في نظر الاسلام، والحاكم العادل يكون في ظل الله يوم القيامة ويبعث على منبر من نور كما جاء في الصحيحين: ((سبعة يظلمهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم: إمام عادل)) متفق عليه
وفي مسلم: ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا))
............................
أما من لم يحكم بالشريعة من الحكام، ففي حاله تفصيل عند العلماء المعاصرين، وبمعناه قال المتقدمون، وهو: إن كان الحاكم عالما بحكم الله، ولكنه يرى ان حكم غيره أولى وأنفع للعباد من حكمه جل وعلا، أو يرى أنه مساوٍ له، أو أن العدول عن حكم الله إلى حكم غيره جائز، ثم يجعل ذلك قانونا ودستورا للبلاد، يجب التحاكم إليه، والرجوع اليه، والأخذ به
فهذا الحاكم، أو القاضي كافر كفرا أكبر مخرجا له من الاسلام، وذلك لأن منشئ هذا الحكم ومعتقده لم يرض بالله ربا، ولا بمحمد رسولا، ولا بالاسلام دينا وشريعة وحكما يتحاكم إليه، وعلى هذا الحاكم ينطبق قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} المائدة ٤٤، وقوله: {ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم} محمد ٢٨، وقوله : {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} المائدة ٥٠
ويجوز الخروج على هذا الحاكم قولا واحدا عند اهل العلم لكفره البين الذي عليه من الله برهان، بل يجب عند القدرة، وعدم وجود مفسدة أكبر لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل أفلا ننابذهم؟ فقال: (( لا،ما أقاموا فيكم الصلاة، لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)) رواه مسلم
وفي حديث عبادة في الصحيح: ((وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان))
وإن كان الحاكم عالما بحكم الله تعالى، ويعتقد أنه أولى وأنفع للأمة، لكن عدل عنه إلى حكم غيره بقصد الاضرار بالمحكوم عليه، أو نفع المحكوم له، دون أن يجعل ذلك قانونا ودستورا يجب التحاكم إليه كما سبق، فهذا الحاكم ظالم وليس بكافر، وعليه ينزل قول الله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} المائدة ٤٥ وإن كان عالما بحكم الله ويعتقد ايضا انه انفع وأولى للعباد من غيره، لكن خالفه لهوى في نفسه، أو لمصلحة تعود إليه مادية، أو معنوية، ودون أن يجعل ذلك قانونا ودستورا يجب التحاكم إليه، فهذا فاسق وليس بكافر، وعليه ينزل قول الله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} المائدة ٤٦
ولا يجوز الخروج على هذا الحاكم وتجب مناصحته من قبل العلماء، وسائر الأمة، حتى يعود عن ظلمه وفسقه، وبعض العلماء أجاز الخروج عليه، وهو مذهب كثير من السلف، والأول ارجح، وقدنقل الامام النووي رحمه الله وغيره عدم جواز الخروج على الحاكم الظالم.
ويطلق بعض العلماء على هذا والذي قبله (الكفر الأصغر) وهو الكفر الذي لا يخرج من الاسلام، ولكن صاحبه مرتكب لكبيرة، وهو على خطر كبير، ومستحق لعذاب الله، وسخطه إلا أن يتغمده الله تعالى برحمته ويشمله بعفوه وغفرانه
وأما من يرفض تحكيم الشريعة، أو يستبدل غيرها بها من ديمقراطية، وأنظمة وقوانين وضعية، أو أنه يطالب بأن تكون مصدرا رئيسا، أو أساسا للتشريع، أو المصدر الرئيس للتشريع، أو مصدرا من مصادره، فهذا لا شك في كفره ولا أعلم خلافا بين العلماء الربانيين في تكفير هذا المطالب، وذلك لأنه يكره الشريعة ويبغضها، ويساوي بينها وبين ما وضعه البشر بأهوائهم واجتهاداتهم، قال تعالى مبينا كفر من يكره شرعه، ودينه، وبطلان عمله كله : {والذين كفروا فتعساً لهم وأضل اعمالهم، ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم} محمد ٨، ٩ وقال: {ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم} محمد ٢٦- ٢٨
وقال الامام ابن كثير رحمه الله مؤكدا على كفر من يجعل مع الشريعة مصدرا آخر، أو يعدل عنها إلى الآراء والأهواء، وذلك في تفسيره عند قوله تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} المائدة ٥٠
"ينكر تعالى على من خرج على حكم الله المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء، والأهواء، والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات، والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم «الياسق»، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى من اليهودية، والنصرانية، والملة الاسلامية، وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره، وهواه، فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير".
............................
يقصد بتقنين الشريعة أن تصاغ أحكامها في صورة قوانين مجردة عن الأدلة، حتى يسهل على القضاة الرجوع إليها، والحكم بها دون اختلاف ولا تنازع بينهم.
ودواعي هذا التقنين كثيرة منها:
١- التسهيل على القضاة، حيث إن أكثرهم إن لم يكن جميعهم ليس هو من اهل الاجتهاد، وليس لديه القدرة على الاستنباط من الكتاب والسنة مباشرة، ولا الاستدلال بمنطوقات النصوص، أو بمفهوماتها إلا من رحم الله منهم، فيخشى من احدهم ان خاض فيماليس له به علم أن ينزل هذه النصوص على غير مرادها، أو يخشى الاختلاف في فهمها، أو دعوى نسخها، أو تعارضها مع غيرها، أو ضعفها إن كانت سنة ونحو ذلك
٢- حسم الاختلاف الحاصل بين الفقهاء في المذاهب الأربعة وغيرها، حيث يصاغ الحكم في الأغلب على الراجح من أقوال هذه المذاهب، أو على أحدها إذا كانت الدولة تسير وفق مذهب معين
٣- العصرنة والتحديث والتنظيم الاداري الذي تنتهجه اليوم الدول اسلامية كانت، أو غيرها
ويرى كثير من العلماء إن لم يكن أكثرهم جواز هذا التقنين لما فيه من المصلحة الراجحة إذا قام به أهل الكفاية والدراية من العلماء والفقهاء، ولا مانع لديهم أن يساعدهم فيه فنيون من أهل الخبرة القانونية والدستورية في الصياغة القانونية دون التدخل في صياغة الحكم الشرعي
بينما يرى بعض العلماء عدم جواز هذا التقنين لما يترتب عليه من المفاسد الكثيرة كما يقولون، ومن ذلك: إلغاء الكتاب والسنة في الرجوع اليهما بزعمهم، وتقديس هذه القوانين برفعها الى رتبة النصوص. وإلغاءالاجتهاد الشرعي للقضاة بضوابطه، ولأنه قد تصاغ هذه القوانين على غير الراجح من كلام اهل العلم.
ولا شك أن هذا الرأي معتبر، ولكن أكثر منه اعتبارا ورجحانا هو الرأي الأول الذي يجيز التقنين ولايرى به بأسا، وماذكره أصحاب الرأي الثاني من تعليلات لعدم الجواز لا ينتهض قوة في المنع، لأنها جميعا أو أكثرها متوهمة، فليس في التقنين إلغاء للكتاب والسنة، وكيف يكون ذلك وهو أصلا أخذ منهما إلا أنه حذفت الأدلة، اختصارا، وأقرب شبه بهذه القوانين هي متون الفقه المجردة من الأدلة، بل ان كتب الفقه المختلفة إنما هي صورة من صور تقنين الشريعة عند المتقدمين كان يرجع إليها القضاة في كل عصر
ومن هنا رأينا الدولة العثمانية في آخر حكمها تصدر مجلة اشتملت على تقنين للشريعة على مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله ونالت اعجاب العلماء والمجامع الفقهية والعلمية
وأما ما يقال من إلغاء للاجتهاد الشرعي فنعم ولعله هو الصواب لكون أكثر القضاة في هذا العصر ليسوا أهلا للاجتهاد، ولأنه لا يصار إلى الاجتهاد إلا إذا عدم النص ومن ثم لا حاجة إليه مع وجود القوانين التي حلت محل النصوص المستنبطة منها هذه القوانين لكن من غير قداسة لها، لكونها من صنع البشر، بخلاف النصوص التي هي وحي من الله تعالى، وما قيل كذلك من أن هذه القوانين قد تصاغ على غير الراجح فنعم أيضا، وعلاجه الاتفاق قبل الصياغة على اختيار القول الراجح عند الأئمة الأربعة، أو عند غيرهم، أو في المذهب نفسه
١٠= التحاكم الى المحاكم العسكرية، أو الادارية، او التجارية، او العلمانية، او الكافرة، او الى الأعراف القبلية، ونحوذلك
...................
من يحتكم الى هذه المحاكم المذكورة ابتداء من نفسه، عالما بذلك، وطواعية من غير اكراه فحكمه أنه يحتكم الى الطاغوت، والى غير الشريعة، وهو كفر أكبر، قال تعالى( الم تر الذين يزعمون انهم آمنوا بما أنزل اليك وماأنزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا) النساء، ٦٠، وقال( فلاوربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مماقضيت ويسلموا تسليما) النساء ٦٥، وأما من أجبر على التقاضي الى هذه المحاكم كأن يلزم بالتقاضي اليها من قبل الدولة، أو برفع الدعوى ضده من قبل شخص آخر، أو بحكم سكناه في بلاد الكفار، واضطر الى ذلك، فحكمه حكم المكره الذي رفع الله عنه الحرج كما قال تعالى( الا من أكره وقلبه مطمئن الى الايمان) النحل١٠٦، أي فلايؤاخذ بذلك، لكن يجب عليه كراهة ذلك بقلبه، ولسانه، واعتقاد حرمته، وطاغوتيته، ووجوب وخيرية وفلاح التحاكم الى شرع الله.
وأما من يحتكم الى الأعراف القبلية ففيه تفصيل، فإن كان جاهلا بشرع الله، ووجوب الاحتكام اليه، وحرمة الاحتكام الى غيره ففعله هذا فسق وليس كفرا، لأن من ضوابط التكفير عند العلماء بلاخلاف بينهم: العلم، وهذا الشخص جاهل بالحكم وليس عالما به فلايكفر، وأما اذا كان عالما بحكم الله، ووجوب الاحتكام اليه، وحرمة الاحتكام الى غيره، ففعله هذا كفر أكبر مخرج من الملة، والله أعلم.
.............................
وهذا لا بد فيه من التفصيل، فإن كان الذي أنزلها للتصويت هو الحاكم، سواء أنزلها في المجالس النيابية، اوالتشريعية، أو لعموم الشعب، ولم يكن أمام الناس خيار إلا الذهاب للقبول، أو الرفض، فتجب المشاركة في هذه الحالة والتصويت بالقبول لأن رفضها كفر، وكذا إنزالها للتصويت والاستفتاء من قبل الحاكم هو كفر لأن مثله مثل التصويت على أداء الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، من عدمه وأوامر الدين، ونواهيه، ليس فيها أي خيار للمسلم لقوله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} الأحزاب ٣٦
وقوله: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون} النور ٥١
فدل على أن الذي لا يقول سمعنا وأطعنا وقبلنا بشريعة الله أنه ليس من المفلحين بل هو من الخاسرين الضالين، لقوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} النساء ٦٥
فنفى جل وعلا الإيمان كليا عمن لا يقبل بحكمه، وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ويسلم لذلك تسليما مطلقا لا شك فيه ولا تردد
ومثل التصويت على الشريعة جميعها: التصويت على حكم من أحكامها بالقبول، أو الرفض كحد الخمر مثلا، أو الرجم، أو قطع يد السارق، ونحو ذلك وهو كفر بلا خلاف أيضا
وأما التصويت لفعل محرم، أو رفضه كالتصويت على قبول أو طلب قرض ربوي مثلا، أو طلب تصريح بإنشاء بنك ربوي، أو السماح بتداول الخمور في الفنادق، ونحو ذلك مع الاعتقاد بحرمتها ومن غير أن يجعل ذلك قانونا وتشريعا في الدستور، فهذا الإجراء ليس بكفر، ولكنه كبيرة من الكبائر ولا تجوز المشاركة في التصويت عليه، بل يجب الانكار، ومقاطعة الجلسة لقوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم} النساء١٤٠
وقوله تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} المائدة ٧٨- ٧٩
وعند أبي داود والترمذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما وقعت بنو اسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون
فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئا فقال: لا، والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً)) اي تقصروهم على الحق
وأما إلغاء الشريعة، أو الاستدراك عليها، أو تعليقها عن العمل فهو مثل الذي يرفضها وينتقصها، وحكمه أنه كافر لأن الحاكم الذي يقدم على ذلك قد جعل من نفسه شريكا وندا لله تعالى ومصوبا لأحكامه، والله تعالى لا يرد حكمه، ولا يعقب عليه قال تعالى: {والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب} الرعد ٤١
١٢= حكم من ينتقص الشريعة.
.........................................
وأما من ينتقص الشريعة بقول، أو فعل، كمن يتهمها مثلا بالقصور، أو عدم صلاحيتها لكل زمان ومكان، أو يتهمها بالغلو والقسوة، وعدم العدل في أحكامها، أو يطعن في حكم من أحكامها، أو يقول أن فيها تمييزا ضد المرأة، وظلما لها، أو أن فيها ظلما لغير المسلمين، أو أنها سبب تأخر المسلمين، أو أنه لا يجب الحكم بها وتحكيمها والتحاكم إليها، ونحو ذلك فهو كافر بلا خلاف لقوله تعالى: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} ٦٥- ٦٦
وقوله: {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون} التوبة ١٢ ،وهذا آخر ماتيسر جمعه من احكام الشريعة،
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
(منزلة الشريعة في الاسلام) (٣-٨)
٥= خصائص الشريعة:تختص الشريعة الاسلامية بخصائص لا توجد في غيرها من الشرائع السماوية، والقوانين الأرضية، مما يحتم على المسلمين كافة التشبث بها، وعدم القبول بغيرها مهما كان الثمن، ووجوب مطالبة الحكام بتحكيمها والتحاكم إليها، ومن هذه الخصائص:
أولا: كونها من عند الله تعالى، ويعني ذلك أنها:
ا- محكمة لا اختلاف فيها، ولا تعارض بينها، ولا تناقض {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} النساء ٨٢ ،{أليس الله بأحكم الحاكمين} التين ٨، {ألر، كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} هود ١
ب- عادلة لا ظلم فيها ولا جور ، {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} النساء ٤٠، {وما ربك بظلام للعبيد} فصلت ٤٦، {إن الله لايظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون} يونس ٤٤
ج- حسنة لا قبح فيها ولاتشويه قد بلغت في الحسن أكمله وأبهاه {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} المائدة ٥٠
د- ميسرة وسهلة لا كلفة فيها ولا مشقة ولا عنت {وما جعل عليكم في الدين من حرج} الحج ٧٨، {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} البقرة ١٨٥، {ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم} البقرة ٢٢
ثانياً: من خصائصها: كونها شاملة لا قصور فيها، ولا نقص، ولا خلل، وشموليتها في أنها تشمل جميع أمور الدين والحياة، سواء في نصوصها التفصيلية، أو في قواعدها وكلياتها العامة، فليس من قضية تطرأ على الحياة إلا وتجد لها حلا، أو حكما في الشريعة، إما نصاً خاصا،ً أو عاماً، أو قياسا، أو اجتهادا مبينا على أسس الشريعة وقواعدها قال تعالى: {تبياناً لكل شيئ} الأنعام ٣٨، وقال( مافرطنا في الكتاب من شيئ) الانعام ٣٨
ثالثاً: صلا حيتها لكل زمان ومكان و تكمن هذه الصلاحية في أن الذي شرعها وأنزلها هو الله تعالى العالم بأحوال خلقه وما يصلحهم في سائر شئون حياتهم، بل هو سبحانه أعلم بهم من أنفسهم {ألا يعلم من خلق} الملك ١٧،
وقد جعل سبحانه هذه الشريعة متناسبة، ومتزنة، ومتوافقة مع فطر الناس، وتكويناتهم، ومع أصلهم وجنسهم، ومع اختلاف ألوانهم وألسنتهم، فلا تجد المسلم الأعجمي مثلاً، ولا الانسان الأسود، ولا المرأة يشكون من تمييز في حكم الله تعالى، وقضائه، ولا أن هذا الحكم لا يصلح لهم، ويصلح لغيرهم، وإنما تجد الجميع مستسلما ومنقادا لأمر الله، وحكمه، وشرعه، متمثلين في ذلك قوله تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون} النور ٥١
ومن أبرز مظاهر صلاحيتها:
١- الخطاب العام الذي لا يحدد أمة دون أمة، ولا عصرا دون عصر، ولا فردا دون آخر، كقوله تعالى: {ياأيها الناس}، و{يا أيها الذين آمنوا}، {والسارق والسارقة}، {والزانية والزاني}، {الذين يأكلون الربا}، {والذين يرمون المحصنات}، {ومن لم يحكم بما أنزل الله}، {والذين يرمون أزواجهم}، إلى غير ذلك من الخطابات العامة التي يقصد بها المسلمون في كل عصر وزمان، ومكان
٢- كون الرسول صلى الله عليه وسلم هو خاتم الرسل والأنبياء فلا نبي بعده، ورسالته عامة لجميع الناس في عهده ومن بعدهم إلى يوم القيامة، كما قال تعالى: {قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً} الأعراف ١٥٨، وكذلك ما أنزله الله تعالى عليه من تشريعات هو عام تبعا لرسالته العامة لا يختص بعصره، ولا بالقوم الذين بعث فيهم
٣- لو كانت الشريعة خاصة بعصر دون عصر لكان الأمر بالصلاة والزكاة والصوم والحج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد، وغير ذلك من العبادات هي خاصة بذلك العصر ، ولا قائل بهذا، بل ومن يقول به ليس من المسلمين قطعا
رابعاً: كونها ثابتة لا تتغير، ولا تتبدل، ولا يدخلها تحريف، ولا زيادة ولا نقصان، كما قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} الحجر٩ ، وقوله: {لا تبديل لكلمات الله} يونس ٦٤ وقوله: {والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب} الرعد ٤١
(منزلة الشريعة في الاسلام) (٤-٨)
٦= فضائل الشريعة:وللشريعة من حيث هي شريعة ولتحكيمها، والحكم بها، فضائل كثيرة تدل على عظمتها وخيريتها على جميع الشرائع السماوية والأرضية، من ذلك:
أولاً: التعبد لله بإقامة شرعه كما يتعبد المسلمون ربهم بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم، والحج، وسائر العبادات، وذلك لأن العبادة مفهومها واسع جدا وهي غير منحصرة في الشعائر التعبدية، ففعل ما يحبه الله تعالى من الأقوال والأفعال، والخضوع له، والانقياد له في أمره، ونهيه، وشرعه، والوقوف عند حدوده، كل ذلك من العبادة لله تعالى وهويدخل في معنى قوله: {ياأيها الناس اعبدوا ربكم ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} البقرة ٢١ ، أي اعبدوه بطاعته، وتوحيده والاخلاص له، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، وتطبيق شرعه، والوقوف عند حدوده.
ولا غرو أن من يعبد الله حق عبادته بمفهومها الواسع الشامل أنه يكسب بذلك ثواب الله تعالى، وجنته، ورضاه عنه.
ثانياً: تحقق الفلاح والهداية والسعادة لمن يقيم شرع الله
قال تعالى: {ومن يعتصم بالله هدي إلى صراط مستقيم} آل عمران ١٠١، أي ومن يتمسك بحبل الله، ودينه، وشرعه، ويحكم به، فقد هدي إلى صراط مستقيم
وقال: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} آل عمران ١٠٤، ومن أعظم الأمر بالمعروف: إقامة شرع الله، وتنفيذ حكمه، وتطبيق حدوده، وقطع دابر الفساد والمفسدين، وقال: {من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} النحل ٩٧، وإقامة الشريعة والحكم بها من أعظم الأعمال الصالحة التي يتقرب بها إلى الله
ثالثاً: الحفاظ على حقوق الناس وممتلكاتهم وحياتهم وأعراضهم، وصيانتها من الإعتداء عليها
ونجد أن الشريعة الاسلامية لم تفرق بين الناس جميعا مسلمهم وذميهم ومن في حكمهم في هذا الجانب فجميعهم فيه سواء يحرم الإعتداء عليهم في أنفسهم، وأموالهم، وأعراضهم، وقد أناطت الشريعة بكل جرم تجاه هؤلاء عقوبته العادلة به الذي يحفظ لكل شخص حياته، وحقه، وعرضه، وقد يقول قائل: إن مثل هذا الحفاظ والصيانة للأرواح والممتلكات موجود في قوانين الدول ودساتيرها اليوم فما هو الجديد في الشريعة؟
وأقول: نعم هو كما ذكر هذا القائل، لكن هذه القوانين تتغير وتتبدل من زمن إلى زمن، ومن عصر إلى عصر فما هو جرم في زمن يصبح غير ذلك في زمن آخر، وما يستحق عليه الإعدام في عصر، يصبح في عصر آخر تعديا على أرواح الناس وازهاقا لها، وما هو عنصرية في حق أناس في زمن، يصبح وطنية في زمن آخر، وما هو إرهاب في عصر، يصبح محاربة للإرهاب في عصر آخر ...إلخ
وكم من قوانين تغيرت وتبدلت فضاعت بذلك أنفس، وأموال، وانتهكت حرمات، وأعراض
أما الشريعة الاسلامية فلا تتبدل ولا تتغير، ويظل الحرام فيها حراما، والجريمة فيها جريمة، والعقوبة كما هي إلى أبد الآباد، وهذا ما يميز الشريعة عن غيرها فيالله ماأعظمها؟
رابعاً: اغداق الرزق والنعم على الناس وبسط الدنيا عليهم وفتح أبواب الخير لهم من كل حدب وصوب كما قال تعالى: {ولو أنهم أقاموا التوارة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} المائدة ٦٦
وقد يعترض على هذا بما وصل إليه الكفار اليوم من نعم وبسط وافر للدنيا عليهم بما لا ينكره أحد مع أنهم لا يقيمون التوراة والإنجيل ولا يؤمنون بالله الإيمان الحق؟
وهذا الاعتراض في غير محله لأن المقصود بهذه الآية السابقة هم اهل الكتاب في ذلك العصر، وقيل :من آمن منهم كعبدالله بن سلام ونحوه، وليس المقصود بهم كفارهم في كل عصر لأن الكفار عموما قد بين الله تعالى أنه إن أغدق عليهم من نعمه فإنما يغدق عليهم ليزدادوا كفرا وإثما حتى يعظم لهم العذاب في الآخرة كما قال سبحانه: {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين} آل عمران ١٧٨
(منزلة الشريعة في الاسلام) (٥-٨)
٧= تابع فضائل الشريعة:خامساً: بسط الأمن ونشره في عموم البلاد وليس في هذا الأمر شك، فإن في تطبيق الشريعة وإقامة الحدود تأمينا للناس على حياتهم، وحرياتهم المشروعة، وممتلكاتهم، كما قال تعالى: {ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب} البقرة ١٧٩،
وذكر القصاص في هذه الآية هو مثال لما سواه من الحدود التي تنتشر الحياة، والأمن العام بسببها، وفي الحديث الذي صححه بعض الأئمة: ((إقامة حد في الأرض خير للناس من أن يمطروا أربعين صباحاً)) رواه ابن ماجة وغيره
سادساً: قطع دابر المجرمين والمفسدين في الأرض
فإن من يستيقن أنه إذا قتل سيقتل، وإذا سرق ستقطع يده، وإذا زنى سيرجم إن كان محصنا، ويجلد إن كان غير محصن، لن يقدم على فعل جريمته، وإذا أقدم وفعلها وطبق عليه الحد كان رادعا وزاجرا لغيره، وقاطعا لكل طرق وأسباب الجريمة، ولهذا المعنى حرص الاسلام أن يشاهد إقامة الحدود نفر من الناس المؤمنين ليتحقق الردع الكامل منها كما قال جل شأنه: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} النور ٢
ومعنى آخر في المجرم نفسه فيما يتعلق ببعض الحدود غير القصاص، إذ أن إقامتها عليه رادعة له من المعاودة لذلك الجرم، فمن سرق وقطعت يده، هل يتوقع أن يعاود السرقة وهو يعلم أنه ستقطع رجله اليسرى، إن عاد للسرقة مرة أخرى؟
ومثله الزاني غير المحصن، وشارب الخمر، بالنسبة لحد الجلد، وبهذا تتحقق الحياة والخيرية للأفراد والمجتمع بأسره
سابعاً: إعلاء شأن الشريعة وإظهار محاسنها على سائر الشرائع والقوانين
فالشريعة في أحكامها وارشاداتها،
وتوجيهاتها حسنة كلها بل لا أحسن منها على الإطلاق كما قال تعالى: {ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} المائدة ٥٠، وقال: {الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً} الزمر ٢٣
ومن محاسنها التي سبقت بها غيرها، وأبهرت بها العقول:
صلاحيتها لكل زمان ومكان وحفظها من التغيير والتبديل والتحريف كما سبق بيانه، ومساواة الناس جميعا سواء كانوا حكاما أو محكومين، رجالا أو نساء، أحرارا أو عبيدا، عربا أو عجما، مسلمين أو غير مسلمين أمام أحكامها، حيث لا تستثني شريفا لشرفه، ولا كبيرا لمنزلته، ولا عبدا لحقارته، فالكل تجري عليهم أحكام الشريعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) متفق عليه
ثامناً: محبة الله تعالى للحاكم العادل المقسط الذي يقيم الشريعة ويحكم بما أنزل الله، قال تعالى: {فإن جاؤك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئاً وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين} المائدة ٤٢
تاسعاً: تحريم الخروج على الحاكم المسلم الذي يحكم بالشريعة وجوازه على من يقصيها ولا يحكم بها رغبة عنها قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} النساء ٥٩،
وأجمع العلماء على تحريم الخروج على الحاكم المسلم العادل، ولاأعدل ممن يحكم بشرع الله، ويقيم حدودالله
عاشراً: الحاكم المسلم الذي يطبق الشريعة هو حاكم عادل في نظر الاسلام، والحاكم العادل يكون في ظل الله يوم القيامة ويبعث على منبر من نور كما جاء في الصحيحين: ((سبعة يظلمهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم: إمام عادل)) متفق عليه
وفي مسلم: ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا))
(منزلة الشريعة في الاسلام) (٦-٨)
٨= حكم من لم يحكم بالشريعة، أو يرفض تحكيمها، أو يستبدل غيرها بها من ديمقراطية، وأنظمة، وقوانين وضعية، أو يطالب بأن تكون مصدرا رئيسا، أو أساسا للتشريع، أو المصدر الرئيس له، أو مصدرا من مصادر التشريع، ونحوذلك.............................
أما من لم يحكم بالشريعة من الحكام، ففي حاله تفصيل عند العلماء المعاصرين، وبمعناه قال المتقدمون، وهو: إن كان الحاكم عالما بحكم الله، ولكنه يرى ان حكم غيره أولى وأنفع للعباد من حكمه جل وعلا، أو يرى أنه مساوٍ له، أو أن العدول عن حكم الله إلى حكم غيره جائز، ثم يجعل ذلك قانونا ودستورا للبلاد، يجب التحاكم إليه، والرجوع اليه، والأخذ به
فهذا الحاكم، أو القاضي كافر كفرا أكبر مخرجا له من الاسلام، وذلك لأن منشئ هذا الحكم ومعتقده لم يرض بالله ربا، ولا بمحمد رسولا، ولا بالاسلام دينا وشريعة وحكما يتحاكم إليه، وعلى هذا الحاكم ينطبق قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} المائدة ٤٤، وقوله: {ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم} محمد ٢٨، وقوله : {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} المائدة ٥٠
ويجوز الخروج على هذا الحاكم قولا واحدا عند اهل العلم لكفره البين الذي عليه من الله برهان، بل يجب عند القدرة، وعدم وجود مفسدة أكبر لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل أفلا ننابذهم؟ فقال: (( لا،ما أقاموا فيكم الصلاة، لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)) رواه مسلم
وفي حديث عبادة في الصحيح: ((وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان))
وإن كان الحاكم عالما بحكم الله تعالى، ويعتقد أنه أولى وأنفع للأمة، لكن عدل عنه إلى حكم غيره بقصد الاضرار بالمحكوم عليه، أو نفع المحكوم له، دون أن يجعل ذلك قانونا ودستورا يجب التحاكم إليه كما سبق، فهذا الحاكم ظالم وليس بكافر، وعليه ينزل قول الله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} المائدة ٤٥ وإن كان عالما بحكم الله ويعتقد ايضا انه انفع وأولى للعباد من غيره، لكن خالفه لهوى في نفسه، أو لمصلحة تعود إليه مادية، أو معنوية، ودون أن يجعل ذلك قانونا ودستورا يجب التحاكم إليه، فهذا فاسق وليس بكافر، وعليه ينزل قول الله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} المائدة ٤٦
ولا يجوز الخروج على هذا الحاكم وتجب مناصحته من قبل العلماء، وسائر الأمة، حتى يعود عن ظلمه وفسقه، وبعض العلماء أجاز الخروج عليه، وهو مذهب كثير من السلف، والأول ارجح، وقدنقل الامام النووي رحمه الله وغيره عدم جواز الخروج على الحاكم الظالم.
ويطلق بعض العلماء على هذا والذي قبله (الكفر الأصغر) وهو الكفر الذي لا يخرج من الاسلام، ولكن صاحبه مرتكب لكبيرة، وهو على خطر كبير، ومستحق لعذاب الله، وسخطه إلا أن يتغمده الله تعالى برحمته ويشمله بعفوه وغفرانه
وأما من يرفض تحكيم الشريعة، أو يستبدل غيرها بها من ديمقراطية، وأنظمة وقوانين وضعية، أو أنه يطالب بأن تكون مصدرا رئيسا، أو أساسا للتشريع، أو المصدر الرئيس للتشريع، أو مصدرا من مصادره، فهذا لا شك في كفره ولا أعلم خلافا بين العلماء الربانيين في تكفير هذا المطالب، وذلك لأنه يكره الشريعة ويبغضها، ويساوي بينها وبين ما وضعه البشر بأهوائهم واجتهاداتهم، قال تعالى مبينا كفر من يكره شرعه، ودينه، وبطلان عمله كله : {والذين كفروا فتعساً لهم وأضل اعمالهم، ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم} محمد ٨، ٩ وقال: {ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم} محمد ٢٦- ٢٨
وقال الامام ابن كثير رحمه الله مؤكدا على كفر من يجعل مع الشريعة مصدرا آخر، أو يعدل عنها إلى الآراء والأهواء، وذلك في تفسيره عند قوله تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} المائدة ٥٠
"ينكر تعالى على من خرج على حكم الله المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء، والأهواء، والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات، والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم «الياسق»، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى من اليهودية، والنصرانية، والملة الاسلامية، وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره، وهواه، فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير".
(منزلة الشريعة في الاسلام) (٧-٨)
٩= تقنين الشريعة:............................
يقصد بتقنين الشريعة أن تصاغ أحكامها في صورة قوانين مجردة عن الأدلة، حتى يسهل على القضاة الرجوع إليها، والحكم بها دون اختلاف ولا تنازع بينهم.
ودواعي هذا التقنين كثيرة منها:
١- التسهيل على القضاة، حيث إن أكثرهم إن لم يكن جميعهم ليس هو من اهل الاجتهاد، وليس لديه القدرة على الاستنباط من الكتاب والسنة مباشرة، ولا الاستدلال بمنطوقات النصوص، أو بمفهوماتها إلا من رحم الله منهم، فيخشى من احدهم ان خاض فيماليس له به علم أن ينزل هذه النصوص على غير مرادها، أو يخشى الاختلاف في فهمها، أو دعوى نسخها، أو تعارضها مع غيرها، أو ضعفها إن كانت سنة ونحو ذلك
٢- حسم الاختلاف الحاصل بين الفقهاء في المذاهب الأربعة وغيرها، حيث يصاغ الحكم في الأغلب على الراجح من أقوال هذه المذاهب، أو على أحدها إذا كانت الدولة تسير وفق مذهب معين
٣- العصرنة والتحديث والتنظيم الاداري الذي تنتهجه اليوم الدول اسلامية كانت، أو غيرها
ويرى كثير من العلماء إن لم يكن أكثرهم جواز هذا التقنين لما فيه من المصلحة الراجحة إذا قام به أهل الكفاية والدراية من العلماء والفقهاء، ولا مانع لديهم أن يساعدهم فيه فنيون من أهل الخبرة القانونية والدستورية في الصياغة القانونية دون التدخل في صياغة الحكم الشرعي
بينما يرى بعض العلماء عدم جواز هذا التقنين لما يترتب عليه من المفاسد الكثيرة كما يقولون، ومن ذلك: إلغاء الكتاب والسنة في الرجوع اليهما بزعمهم، وتقديس هذه القوانين برفعها الى رتبة النصوص. وإلغاءالاجتهاد الشرعي للقضاة بضوابطه، ولأنه قد تصاغ هذه القوانين على غير الراجح من كلام اهل العلم.
ولا شك أن هذا الرأي معتبر، ولكن أكثر منه اعتبارا ورجحانا هو الرأي الأول الذي يجيز التقنين ولايرى به بأسا، وماذكره أصحاب الرأي الثاني من تعليلات لعدم الجواز لا ينتهض قوة في المنع، لأنها جميعا أو أكثرها متوهمة، فليس في التقنين إلغاء للكتاب والسنة، وكيف يكون ذلك وهو أصلا أخذ منهما إلا أنه حذفت الأدلة، اختصارا، وأقرب شبه بهذه القوانين هي متون الفقه المجردة من الأدلة، بل ان كتب الفقه المختلفة إنما هي صورة من صور تقنين الشريعة عند المتقدمين كان يرجع إليها القضاة في كل عصر
ومن هنا رأينا الدولة العثمانية في آخر حكمها تصدر مجلة اشتملت على تقنين للشريعة على مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله ونالت اعجاب العلماء والمجامع الفقهية والعلمية
وأما ما يقال من إلغاء للاجتهاد الشرعي فنعم ولعله هو الصواب لكون أكثر القضاة في هذا العصر ليسوا أهلا للاجتهاد، ولأنه لا يصار إلى الاجتهاد إلا إذا عدم النص ومن ثم لا حاجة إليه مع وجود القوانين التي حلت محل النصوص المستنبطة منها هذه القوانين لكن من غير قداسة لها، لكونها من صنع البشر، بخلاف النصوص التي هي وحي من الله تعالى، وما قيل كذلك من أن هذه القوانين قد تصاغ على غير الراجح فنعم أيضا، وعلاجه الاتفاق قبل الصياغة على اختيار القول الراجح عند الأئمة الأربعة، أو عند غيرهم، أو في المذهب نفسه
١٠= التحاكم الى المحاكم العسكرية، أو الادارية، او التجارية، او العلمانية، او الكافرة، او الى الأعراف القبلية، ونحوذلك
...................
من يحتكم الى هذه المحاكم المذكورة ابتداء من نفسه، عالما بذلك، وطواعية من غير اكراه فحكمه أنه يحتكم الى الطاغوت، والى غير الشريعة، وهو كفر أكبر، قال تعالى( الم تر الذين يزعمون انهم آمنوا بما أنزل اليك وماأنزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا) النساء، ٦٠، وقال( فلاوربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مماقضيت ويسلموا تسليما) النساء ٦٥، وأما من أجبر على التقاضي الى هذه المحاكم كأن يلزم بالتقاضي اليها من قبل الدولة، أو برفع الدعوى ضده من قبل شخص آخر، أو بحكم سكناه في بلاد الكفار، واضطر الى ذلك، فحكمه حكم المكره الذي رفع الله عنه الحرج كما قال تعالى( الا من أكره وقلبه مطمئن الى الايمان) النحل١٠٦، أي فلايؤاخذ بذلك، لكن يجب عليه كراهة ذلك بقلبه، ولسانه، واعتقاد حرمته، وطاغوتيته، ووجوب وخيرية وفلاح التحاكم الى شرع الله.
وأما من يحتكم الى الأعراف القبلية ففيه تفصيل، فإن كان جاهلا بشرع الله، ووجوب الاحتكام اليه، وحرمة الاحتكام الى غيره ففعله هذا فسق وليس كفرا، لأن من ضوابط التكفير عند العلماء بلاخلاف بينهم: العلم، وهذا الشخص جاهل بالحكم وليس عالما به فلايكفر، وأما اذا كان عالما بحكم الله، ووجوب الاحتكام اليه، وحرمة الاحتكام الى غيره، ففعله هذا كفر أكبر مخرج من الملة، والله أعلم.
(منزلة الشريعة في الاسلام) (٨-٨ )
١١= حكم التصويت على الشريعة( الاستفتاء عليها)، أو إلغائها، أو الاستدراك عليها، أو تعليقها عن العمل.............................
وهذا لا بد فيه من التفصيل، فإن كان الذي أنزلها للتصويت هو الحاكم، سواء أنزلها في المجالس النيابية، اوالتشريعية، أو لعموم الشعب، ولم يكن أمام الناس خيار إلا الذهاب للقبول، أو الرفض، فتجب المشاركة في هذه الحالة والتصويت بالقبول لأن رفضها كفر، وكذا إنزالها للتصويت والاستفتاء من قبل الحاكم هو كفر لأن مثله مثل التصويت على أداء الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، من عدمه وأوامر الدين، ونواهيه، ليس فيها أي خيار للمسلم لقوله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} الأحزاب ٣٦
وقوله: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون} النور ٥١
فدل على أن الذي لا يقول سمعنا وأطعنا وقبلنا بشريعة الله أنه ليس من المفلحين بل هو من الخاسرين الضالين، لقوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} النساء ٦٥
فنفى جل وعلا الإيمان كليا عمن لا يقبل بحكمه، وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ويسلم لذلك تسليما مطلقا لا شك فيه ولا تردد
ومثل التصويت على الشريعة جميعها: التصويت على حكم من أحكامها بالقبول، أو الرفض كحد الخمر مثلا، أو الرجم، أو قطع يد السارق، ونحو ذلك وهو كفر بلا خلاف أيضا
وأما التصويت لفعل محرم، أو رفضه كالتصويت على قبول أو طلب قرض ربوي مثلا، أو طلب تصريح بإنشاء بنك ربوي، أو السماح بتداول الخمور في الفنادق، ونحو ذلك مع الاعتقاد بحرمتها ومن غير أن يجعل ذلك قانونا وتشريعا في الدستور، فهذا الإجراء ليس بكفر، ولكنه كبيرة من الكبائر ولا تجوز المشاركة في التصويت عليه، بل يجب الانكار، ومقاطعة الجلسة لقوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم} النساء١٤٠
وقوله تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} المائدة ٧٨- ٧٩
وعند أبي داود والترمذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما وقعت بنو اسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون
فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئا فقال: لا، والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً)) اي تقصروهم على الحق
وأما إلغاء الشريعة، أو الاستدراك عليها، أو تعليقها عن العمل فهو مثل الذي يرفضها وينتقصها، وحكمه أنه كافر لأن الحاكم الذي يقدم على ذلك قد جعل من نفسه شريكا وندا لله تعالى ومصوبا لأحكامه، والله تعالى لا يرد حكمه، ولا يعقب عليه قال تعالى: {والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب} الرعد ٤١
١٢= حكم من ينتقص الشريعة.
.........................................
وأما من ينتقص الشريعة بقول، أو فعل، كمن يتهمها مثلا بالقصور، أو عدم صلاحيتها لكل زمان ومكان، أو يتهمها بالغلو والقسوة، وعدم العدل في أحكامها، أو يطعن في حكم من أحكامها، أو يقول أن فيها تمييزا ضد المرأة، وظلما لها، أو أن فيها ظلما لغير المسلمين، أو أنها سبب تأخر المسلمين، أو أنه لا يجب الحكم بها وتحكيمها والتحاكم إليها، ونحو ذلك فهو كافر بلا خلاف لقوله تعالى: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} ٦٥- ٦٦
وقوله: {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون} التوبة ١٢ ،وهذا آخر ماتيسر جمعه من احكام الشريعة،
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات: