( الفرج بعد الشدة ) بقلم الدكتور عبدالرحمن الخميسي
ثق أن بعد الشدة فرجا، وأن بعد العسر يسرا، وأن بعد الهم والغم والحزن سرورا وفرحا.
لستُ أنا الذي أقول هذا، ولكن الله هو الذي قاله في كتابه، ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، اقرأ معي في هذا قول الله تعالى( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) وقوله( ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) وقول النبي صلى الله عليه وسلم(( واعلم ان النصر مع الصبر، وان الفرج مع الكرب، وان مع العسر يسرا))
وشواهد هذا من حياة المرسلين، وعباد الله الصالحين لاتكاد تحصى، فهذا خليل الله ابراهيم عليه الصلاة والسلام يقيد بالسلاسل، ثم توقد له النار أمام عينيه ليحرق بها، ولم يخبره ربه أنه سينجيه منها من أجل أن يكتمل البلاء به ويستحكم طوقه عليه، ثم يقذف فيها وهو موقن أنها ستحرقه، لأن ذلك من طبيعتها التي خلقها الله فيها، وسنة من السنن الكونية، ولن نجد لسنة الله تبديلا، لكنه يصبر لأمر الله، ويلجأ اليه بالتضرع والتوكل عليه، ويقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، فيأتي الفرج من الله، وتبطل هذه السنة الكونية( قلنا يانار كوني بردا وسلاما على ابراهيم)
وهذا نبي الله اسماعيل عليه الصلاة والسلام يخبره أبوه الخليل أنه رأى في المنام أنه يذبحه، ورؤيا الأنبياء وحي من الله، فيجيبه اسماعيل جواب المؤمن الصابر المستسلم لأمر الله المنقاد له( ياأبت افعل ماتؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين) فيأتي الفرج من الله للأب والابن( وناديناه أن ياابراهيم قد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزي المحسنين ان هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم)
وأيضا هذا نبي الله يونس عليه الصلاة والسلام يذهب مغاضبا فيركب سفينة مع قوم فتتلاعب بها الأمواج، وتوشك على الغرق، فيتفقوا على تخفيف الحمل عنها، ويستهموا فيما بينهم فيمن تقع عليه القرعة، حتى يلقوه في البحر، فتقع القرعة على نبي الله ثلاث مرات، وحينئذ لم يكن أمامهم من مفر إلا أن يقذفوه في البحر، فقذفوه فيه، فالتقمه الحوت، فماذا كان حاله؟( فنادى في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين) وجاء الفرج من الله( فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين)
ولاتبتئس أخي المؤمن فليس هذا الفرج مقتصرا على الأنبياء والمرسلين، بل انه يشمل من شاء الله من عباده المؤمنين الصالحين، وأوليائه المخلصين، وليس منا أحد يقرأ القرآن الكريم إلا ويجد فيه قصة مؤمن آل فرعون، الذي كان يعيش في بلاط فرعون، ودفعه ايمانه الى أن يواجه الباطل، ويصدع بالحق، غير مبال بما يحدث له من بطش، أو قتل من فرعون وزبانيته، فنجاه الله تعالى منهم، وأورثه حسنى العاقبة في الدنيا والآخرة( فوقاه الله سيئات مامكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب)
فقط تحتاج أخي الى ثلاثة عوامل رئيسة لتخرج من شدتك، وتنجو من همك وغمك وحزنك
الأول: الصبر الذي يعتبر الدعامة الأولى، والمفتاح الرئيس لكل بلاء وشدة، ولافرج في الأغلب لمن لاصبر له، واذا قلبتَ النظر في شأن من مر ذكرهم تجدهم من ذوي الرسوخ في الصبر، حتى استحقوا أن يثني الله به عليهم، ويفرج عنهم بسببه
والثاني: الثقة بالله، وحُسن التوكل عليه
وتأمل في حال نبينا صلى الله عليه وسلم، وأصحابه وما آل اليه حالهم بعد أن وثقوا بالله وتوكلوا عليه كما تشرحه هذه الآية( الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم)
والثالث: صدق الالتجاء الى الله، من عبادة حسنة، وإخلاص صاف، ودعاء صادق، وتوبة نصوح، وذكر كثير( ياأيها الذين آمنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون، وأطيعوا الله ورسوله ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين)
وهذه الآية وان كان المقصود بها عند ملاقاة العدو، فإن كل شدة تحتاج لإزالتها الى ماذكر قطعا من الثبات، والذكر الكثير، وطاعة الله ورسوله، والصبر
عجل الله لنا، ولبلادنا، ولأمتنا الفرج العاجل الذي يزيل به الشدة، ويذهب به الغمة، ويكتب به حسنى العاقبة، اللهم آمين
ليست هناك تعليقات: