هل يعلم أهل اليمن لماذا يشوه الليبراليون الشريعة الإسلامية ؟!! بقلم د.أحمد الزنداني
إنخدع عدد من أبناء اليمن, وفي اليمن شعب كريم أبي ما يزال على فطرته النقية, إنخدعوا وهم في أوج عنفوانهم لاسقاط الفساد بعدد من الشعارات البراقة, مثل الحرية والعدالة والمساواة والمدنية وغيرها من الشعارات الواعدة, وكانت الخدعة أن تم, بمكر وبعمل دؤوب خُطط له جيدا, ربط هذه الشعارات بمنهج الليبرالية العلمانية المناقضة للشريعه الإسلامية ليتم إظهار الشريعة الإسلامية كمنافية للحرية وللعدالة والمساواة ولكل تلك الشعارات البراقة, وإمعانا في تنفيذ ذلك المخطط تم ربط تلك الشعارات بمقررات الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان لتأتي بقوانين جاهزة يتم فرضها على اليمنيين بدعوى أنها السبيل الأمثل لعملية تنفيذ تلك الشعارات البراقة, ولأن الشعب اليمني شعب متدين مسلم لا يرضى بغير شرع الله, فقد عملت الآلة الإعلامية وأبواقها في الساحة اليمنية على تزييف الحقيقة أمام لشعب اليمني وتقديم مقررات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على أنها هي الفهم الصحيح للإسلام المعتدل, وأن فهم الإسلام منذ عهد الصحابة وإلى اليوم مرورا بأعلام اليمن أمثال ابن الأمير الصنعاني ومحمد بن علي الشوكاني ومن تبعهم وتتلمذ على أيديهم وحمل رسالتهم, ذلك الفهم للإسلام الذي عرفه اليمنيون طوال تاريخهم ووضعوا على ضوءه مناهجهم وقوانينهم وأحكامهم وتشريعاتهم هو الفهم الخطأ, لأنه يمثل الإسلام الرجعي المتسلط حتى ظهر من يقول إن الشريعة الإسلامية بذلك الفهم تُنتج العنف والإرهاب والتخلف ولابد من عزلها عن الحياة العامة من أجل قيام دولة مدنية حديثة وفقا للفهم الجديد القادم من الغرب ومراكزه البحثية؟!!! .
الحقيقة أن المواطن البسيط التواق لحياة الحرية والعدالة وللحياة الكريمة لا يدرك أن ما يدور ليس سوى حلقة في سلسلة طويلة بدأتها أوروبا إبان الفتوحات الإسلامية, لقد أدركت أوروبا وعقولها أن الرسالة التي حملها الصحابة من قلب الجزيرة العربية, وهي الشريعة الإسلامية, سر قوة الحضارة العربية والإسلامية وأدركت أن لها فعل السحر في الشعوب, فكيف لرجل أمي (سيدنا محمد ص) أن يُخضع الجزيرة العربية لرسالته في أقل من عقد؟!!! وهو الأمر الذي يستحيل حدوثه بكل المقاييس البشرية ما لم تكن محل قبول وإقبال من الشعوب لأنها رسالة الله لخلقه, وهذا ما عبر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ*وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً), وأدركت أوروبا التي تعتبر نفسها مركز العالم أن صحابة محمد (ص) ساروا على نهجة, وفُتحت لهم أبواب الدنيا بامكانياتهم المادية المتواضعة حيث توسعت دولة الإسلام لتفتح فارس ومصر والشام وتدخل إلى أوربا وتصل الى أسوار الصين في ثلاثة عقود فقط, وعلمت أوروبا أن عروشها زائلة لا محالة ما لم يحيد المسلمون عن الطريق الذي رسمه لهم محمد (ص) وهو الشريعة الإسلامية.
من هنا بدأت حركة دؤبة تستهدف تشوية الشريعة الإسلامية في أذهان الأوروبيين لإعاقة تقدم الإسلام وكان ذلك أول ظهور للحركة الإستشراقية التي استمرت وبمسميات مختلفة إلى اليوم , فبدأت تصور العربي المسلم على أنه كافر وثني ملحد زنديق فاسد غارق في السلب والنهب بعيدا عن الحضارة والتمدن وأنه آلة دمار متحركة, وذلك لتحصن أبناءها ضد الإسلام لتضع أمامهم حاجزا نفسيا حتى لا يقبلوا الاسلام وحتى تجيشهم ضده, ثم تطور الأمر مع مرور الزمان وبدأت أوروبا تعمل على تشويه الشريعة الإسلامية في أذهان المسلمين أنفسهم إلى أن وصلنا إلى عصرنا هذا الذي تعمل الإلة الإعلامية الجبارة فيه على تشويه الشريعة الإسلامية وربطها بالإرهاب والعنف لتغزو عقول المسلمين أنفسهم وتجيش منهم قطاعات واسعة تستهدف الشريعة الإسلامية ومصادر التشريع وعلى رأسها السنة النبوية المطهرة التي أفنى عدد كبير من علماء الإسلام أعمارهم في جمعها وتصنيفها وصيانتها وتحقيقها وتنقيتها واضعين أساليب علمية مبتكرة ودقيقة لإنشاء منظومة قانونية للمسلمين لا تضاهيها أي منظومة قانونية أخرى على مر العصور, والتي تمكن معها المسلمون من صيانة الدين وحماية الأمة, ونذكر هنا دورأعلام الأمة مثل أحمد ابن حنبل الذي صد أول إنحراف مجتمعي عن منهج النبوة بعد أن حاد أصحاب علم الكلام والمعتزلة بأفكارهم المنحرفة عن طريق الشريعة الإسلامية ومنهجها الرباني , مرورا بإبن تيمية الذي تصدى بدوره لإنحراف آخر واجهته الأمة الإسلامية, ثم جاء محمد بن عبد الوهاب ليحيي السنة ويحارب البدعة ليعيد الناس الى منهج النبوة بعد أن تاه الناس في معظم أجزاء الجزيرة العربية نتيجة لانشغال الدولة العثمانية بحروبها الطاحنة مع أوروبا المتحالفة مع الدولة الصفوية الشيعية ضد الدولة العثمانية.
وتثبت المراجع العلمية أن منهاج الشريعة الإسلامية الذي تحاربه الليبرالية اليوم هو منهج أئمة العلماء أمثال الصنعاني والشوكاني وعلماء الحركة الإصلاحية التي ظهرت في القرن التسع عشر والقرن العشرين كمحمد عبده ورشيد رضا والغزالي والندوي والمودودي والقرضاوي والعمراني وغيرهم كُثر, ولأن محمد بن عبد الوهاب شخصية تخضع لكم مهول من التشويه, في اطار مشورع أوروبا في محاربة الشريعة الاسلامية اليوم, فيكفي في هذا المقام أن أشير إلى ما قاله العالم والمفكر الغربي الذي اعتنق الإسلام بعد أن جال الجزيرة العربية في العشرينات من القرن الماضي, وهو محمد أسد, إذ قال في كتابة الشهير الطريق الى مكة : "وفي الحقيقة, كانت الحركات الاسلامية الإصلاحية في العصور الحديثة, بدءا من حركة أهل الحديث في الهند, والحركة السنوسية في شمال افريقيا, وأفكار جمال الدين الأفغاني ودعوته, وافكار محمد عبده المصري, كانت كلها حركات اصلاحية تستمد قوتها من قوة الدفع الروحية التي انطلقت في القرن الثامن عشرعلى يد محمد بن عبد الوهاب".
استمرت أوروبا في تشويه الشريعة الإسلامية, وكان ذلك التشويه وسيلتها الناجعة لهدم الخلافة الإسلامية التي عملت على هدمها قبل سقوطها بقرن من الزمان من خلال استيعاب الدولة العثمانية في المجتمع الدولي الأوروبي وفقا لشروط ومناهج أوروبا بعد أن خنعت الدولة العثمانية نتيجة هزيمتها في حرب القرم في 1856م وأقرت إدراج عدد من القوانين غير الشرعية في منظومتها القانونية كشرط لقبول اوروبا بها, ومع ذلك استمر القانونيون الأوروبيون في التأكيد على أن التغييرات التي قامت بها الدولة العثمانية غير كافية لتصبح جزءا طبيعيا من أوروبا, وحجتهم أن القرآن لا يزال بين أيدي العثمانيين وهو سيضل حائلا لهم عن التعايش مع أوروبا !!!, وواصلت أوروبا حملاتها ضد الشريعة الإسلامية بدعوى انها ظلمت الأقليات في الدولة العثمانية وعملت على دعم الأقليات التي طالبت بدستور جديد يقوم على قوانين مستقاه من القوانين الأوروبية بدعوى الحرية والمساوة والمواطنة المتساوية, وكان الهدف ازاحة الشريعة الإسلامية وهي العملية التي تسببت في زوال الدولة العثمانية من الخارطة السياسية للعالم وذاق بعدها المسلمون الويلات في كل بقاع الدنيا, بعد إن كانت الدولة العثمانية بشريعتها الإسلامية الدولة الأعظم في العالم وصاحبة السيادة في ثلاث قارات بأراضيها وبحارها ومحيطاتها لأكثر من ستة قرون.
واستمرت أوروبا التي امتدت إلى أمريكا الشمالية ليظهر مصطلح الغرب في عملية تشويه الشرعية الإسلامية لأن الغرب يدرك أن تمسك المسلمين بها سيعيد الدولة الإسلامية وأن استمرار حملة التشوية ستضرب حاجزا بين المسلمين وبين الشريعة الإسلامية سر قوتهم, وهو الأمر الذي استمر إلى اليوم فالغرب يدرك ايضا أن الشريعة الإسلامية تمثل سياج منيع يحمي المجتمع المسلم من الإختراق ومن الفتن ومن الصراعات, ولذا أقام الغرب سياسته الخارجية تجاه العالم الإسلامي على أساس قاعدة فحواها أنه بالقدر الذي يتمكن فيه من إزاحة الشريعة الإسلامية عن المجتمعات المسلمة بالقدر الذي سيتمكن معه من الهيمنة عليها والتحكم بمصيرها وبمقدراتها كيف يشاء, ولذا تجد قادة الغرب مُجمعون على إقصاء الشريعة الإسلامية من حياة المسلمين, وهذا ما عبر عنه بكل وضوح وزير الخارجية البريطاني تشارز كلارك الذي قال: "لا يمكن أن تكون هناك مفاوضات حول إعادة دولة الخلافة ولا مجال للنقاش حول تطبيق الشريعة الإسلامية".
وفي اليمن وعندما ثار الشعب في 2011م ضد الفساد نادى المنخدعون بالشعارات البراقة باقصاء الشريعة الإسلامية, وفقا للتوجيهات الأوروبية عبر مراكز أبحاثها التي تعمل وفق مخطط استخباراتي, ونادوا ببناء الدولة المدنية التي تقبل بجميع الأفكار والعقائد والمملل وعُطل الدستور اليمني واُستبيحت البلاد, فكانت بوابة عظيمة للحركة الحوثية التي تسللت منها دون أن يدرك القوم أن الغرب يريد ذلك عنوة لأنه يعلم أن من يدعم هذه الحركة (إيران) وأن لها أجندة أهم أولوياتها ضرب الشريعة الإسلامية سر تقدم المسلمين, وفي اليمن لن يجد الغرب أفضل من الحركة الحوثية لتنفيذ هذا الهدف, وهذا ما نراه اليوم كما نرى الشمس في رابعة السماء, إلا أن المشكلة تبقى أن البعض لا يزال منخدع يعمل من أجل إقصاء الشريعة الإسلامية لصالح الإسلام المعتدل الذي أكدته مقررات مخرجات الحوار الوطني الذي راعاة الغرب عن عمد لاستهداف الشريعة الإسلامية استهدافا مُطلقا... لله في خلقه شؤون.
ليست هناك تعليقات: