( الاسلام والاختلاط)(١) (٢) (٣).(٤) .دعبدالرحمن الخميسي


( الاسلام والاختلاط)(١) 

لم يعرف المسلمون الاختلاط المنظم، والمقصود، بمفهومه المعاصر بين الرجال والنساء الأجانب الا في هذا العصر الذي وفدت إلينا فيه افكار كثيرة غيره من العلمنة، والتفسخ الأخلاقي، وغيرهما، وقد جاءت إلينا هذه الافكار من خارج أسوار بلاد الاسلام، وحملها، وبشر بها، ودعا إليها الإعلام
التغريبي في وطننا العربي، والاسلامي، وقومٌ من بني جلدتنا ينتمون إلينا بأسمائهم، وينتمون الى الغرب بقلوبهم وعقولهم

ولم يكن حمل هؤلاء القوم لهذه الافكار العلمانية، والدعوة الى الاختلاط سذاجة منهم، ولاجهلا، ولاطلبا لمعرفة الحق، بحيث إنهم إذا تبين لهم أخذوه، وعضوا عليه النواجذ، وإنما حملوها عن علم بها، واعتقاد لها، ودعوة اليها، تنفيذا لمخططات خارجية، وأجندات مشبوهة، وعمالة ظاهرة
وتراهم مع ذلك يظهرون بمظهر طالب الحق، والباحث عنه تلبيسا على الناس، ومكر السيئ، فتسمعهم يقولون في مناظراتهم، وكتاباتهم: ان الاسلام لم يحرم الاختلاط، ولايوجد دليل واضح، ولاصريح على تحريمه، وانما الذي ورد مجرد آداب يستحب لمن شاء الأخذ بها، من غير الزام لغيره بها، ومن لم يشأ أن يأخذ بها فلاتثريب عليه، بل انه قد ورد من النصوص مايؤيد الاختلاط الذي لا التصاق فيه، كالطواف، والسعي، والرمي معا، وحضور النبي صلى الله عليه وسلم بعض الاعراس المختلطة، وتوضؤ الرجال والنساء جميعا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم(( لايدخل بعد هذا أحد على مغيبة الا ومعه رجل او اثنان)) الى غير ذلك
وقد فات هؤلاء من الفقه أكثر مما حصلوه، ومن الورع أكثر مما جمعوه، إن لم يكن جميعه، فقد فاتهم ان الاسلام لم يأت في مسائل كثيرة سابقة، ولا لاحقة بنص بعينها، واكتفى في ذلك بالأدلة العامة، والقواعد الكلية، مثل قوله تعالى( ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث)، وقوله( ولاتقتلوا انفسكم)، وحديث(( لاضرر، ولاضرار))، (( وكل مسكر خمر))(( ودع مايريبك الى مالايريبك)) (( والحلال بين والحرام بين، وبينهما امور مشتبهات)) وقاعدة( الوسائل لها حكم المقاصد) وقاعدة( سد الذرائع) الى غير ذلك، والتي استنبط منها العلماء احكاما كثيرة، ومظانها في كتب القواعد الفقهية، وأصول الفقه.
وفاتهم كذلك نصوص كثيرة تحث او تنهى عن الاختلاط، وترشد الى فصل الرجال عن النساء لغير ضرورة، وفاتهم فقه النصوص، وحسن تنزيلها على المراد منها، لاعلى مايريدون هم منها
وتفصيل القول في هذه المسألة: انه قد دل على تحريم الاختلاط بين الرجال والنساء الأجانب: النصوص الخاصة، والعامة، وقواعد الشرع الحنيف، والأضرار الكثيرة الناتجة عن الاختلاط
(( وسائل منع الاختلاط في الاسلام))
فمن تلكم النصوص:
١- قوله تعالى: ( وقرن في بيوتكن) الأحزاب٣٣، ومعناها: الزمن بيوتكن، ولاتخرجن منها الا لحاجة ماسة، أو ضرورة لازمة، وقد قال هذا المعنى ابن كثير، والقرطبي، وغير واحد من المفسرين، وهو وان كان خطابا لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم،لكن نساء الأمة داخلة فيه، قال القرطبي في تفسيره(( معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وان كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذالولم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها الا لضرورة)) 
ومن تخرج لغير ضرورة، وتختلط بالرجال، وتجلس معهم فقد خالفت نهي القرآن لها بالقرار في بيتها
وهذا النهي للمرأة عن الخروج أعم من نهيها عن الاختلاط بالرجال، فاذا كان الشرع نهاها عن الخروج مطلقا فهو نهي لها عن الاختلاط بالرجال من باب اولى
٢- حديث ابن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم قال(( المرأة عورة، فاذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ماتكون من وجه ربها في قعر بيتها)) رواه الترمذي وغيره وهو صحيح، ومعنى( استشرفها) أي زينها في عيون الرجال، فكيف لمن هي عورة، وزينة تجتذب اليها القلوب والانظار، وتطمح اليها الأنفس اذا جلست بين الرجال واختلطت بهم أنها لاتدخل في نفوسهم ولاتميل اليها قلوبهم، ومن ثم لايزينها الشيطان لهم؟ ان هذا لشيئ عجاب
٣- قوله تعالى ( او الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) النور٣١
اي انه يباح للأطفال الذين لايفهمون احوال النساء الدخول عليهن، ويحرم على غيرهم ذلك، قال ابن كثير في معنى الآية(( يعني لصغرهم لايفهمون احوال النساء، وعوراتهن من كلامهن الرخيم، وتعطفهن في المشية، وحركاتهن، وسكناتهن، فاذا كان الطفل صغيرا لايفهم ذلك فلابأس بدخوله على النساء، فاما ان كان مراهقا أو قريبا منه بحيث يعرف ذلك ويدريه، ويفرق بين الشوهاء، والحسناء فلايمكن من الدخول على النساء))
٤- قوله تعالى( ولماورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهما امرأتين تذودان) الآية القصص٣٣
وفي هذه الآية دلالة ظاهرة على منع الاختلاط، حيث ان المرأتين لم تختلطا بالسقاة، وأخبرتا موسى عليه الصلاة والسلام، أنهما لايسقيان في كل مرة حتى يذهب الجميع، وقد ذكر الله حالهن هذا في معرض المدح لهما
٥- قوله تعالى( واذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم اطهر لقلوبكم وقلوبهن) الاحزاب٥٣
وهذه الآية وان كانت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الا أنها عامة لأن التعليل بطهارة القلوب مطلوب للجميع،وليس خاصا بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ومن يحدثهن، ووجه الدلالة من الآية أن الحجاب يمنع الاختلاط، خاصة عند من فسره بالساتر والحاجز


يتبع( الاسلام والاختلاط)(٢) 

ومن وسائل منع الاختلاط في الاسلام:
٦- نهي النبي صلى الله عليه وسلم نساءه، ونساء الأمة أن يدخل عليهن المخنثون- وهم المتشبهون من الرجال بالنساء طبيعة-فكيف بالرجال كاملي الرجولة؟ فعن أم سلمة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها، وفي البيت مخنث، فقال المخنث لأخي أم سلمة: ان فتح الله لكم الطائف غدا أدلك على ابنة غيلان فانها تقبل بأربع، وتدبر بثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(( لايدخلن هذا عليكم)) متفق عليه
فاذا كان هذا حال مخنث لارغبة له في النساء الا انه يعرف ماهنالك، ويميز بين جمال النساء، وقبحهن يحذر النبي صلى الله عليه وسلم من دخوله على النساء واجتماعه بهن، ومشاهدتهن، فكيف حال الرجل كامل الرجولة؟ أفليس من باب أولى أنه لايجوز له الدخول على النساء؟ اي وربي انه لكذلك.
٧- حديث عقبة بن عامر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(( اياكم والدخول على النساء)) فقال رجل من الانصار: أفرأيت الحمو؟ قال:(( الحمو الموت)) متفق عليه
وفي هذا الحديث النهي عن الدخول على النساء عموما والاجتماع بهن، وهو وان كان في سياق النهي عن الخلوة بالمرأة الأجنبية، الا ان لفظ الحديث عام يشمل النهي عن الدخول عليهن جميعا أو منفردات، خاصة اذا علمنا انه وردت أحاديث خاصة تنهى عن الخلوة بالمرأة،فدل على ان هذا الحديث عام، وهو الحق.
٨- قوله تعالى( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ان الله خبير بمايصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) النور٣١
هذه الآية تحرم نظر الرجل الى المرأة الأجنبية لغير سبب شرعي، وتحرم نظر المرأة الى الرجل الأجنبي بشهوة، وهو أمر مجمع عليه بين الأمة، فهل يسلم الجنسان من هذا النظر الآثم عند الاختلاط فيمابينهم؟ ان من يقول بغير ذلك يكذب على نفسه، وعلى خالقه، وعلى الناس اجمعين، وهل ياقوم دواعي الفاحشة والوقوع فيها الابسبب النظر، اليس في الحديث(( والعينان تزنيان، وزناهما النظر- وفي آخر الحديث: والفرج يصدق ذلك او يكذبه)) متفق عليه
وقد اتخذ الاسلام اضافة الى ماتقدم صورا شتى لمنع الاختلاط، ومن تلك الصور والمجالات: 
أ- صلاة المرأة في المسجد
٩- حيث رغبها الشرع في الصلاة في بيتها وجعلها افضل عند الله من الصلاة في المسجد، وماذلك الاحرصا عليها ان لاترى الرجال ولايرونها فضلا عن أن تختلط بهم، فعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(( لاتمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن)) رواه ابو داود
١٠- تحريم صف المرأة مع الرجل جنبا الى جنب، ولو لم تلتصق به، وبطلان صلاتها بذلك، ولا أعلم فيه خلافا
١١- فصل صفوف النساء عن الرجال، وتفضيل آخر صفوفهن على أولها، كما في صحيح مسلم (( خير صفوف الرجال اولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها))
١٢- مكوث النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من الرجال في مصلاهم، وعدم انحرافهم حتى ينصرف النساء، روى البخاري عن أم سلمة قالت: ان النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن اذا سلمن من المكتوبة قمن، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ماشاء الله، فاذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال))
١٣- جعْل النبي صلى الله عليه وسلم لهن بابا خاصا في المسجد، وأرشد أصحابه الا يدخلوا منه، ففي سنن أبي داود عنه صلى الله عليه وسلم قال(( لو تركنا هذا الباب للنساء)) قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات.
١٤- لايجوز للمرأة أن ترفع صوتها بالتأمين، ولا أن تفتح على الامام، ولاتخطب، ولاتوم الرجال، واذا نابها شيئ في الصلاة صفقت ولم تتكلم، وماذلك الا من أجل الا تلفت اليها الرجال وتشغلهم بنفسها عن الصلاة، فأي مشغلة أعظم للرجال من وجودها بينهم تحدثهم، وتبادلهم النظرات، والابتسامات؟
١٥- عزلهن يوم العيد عن الرجال، وافرادهن بخطبة، فانه صلى الله عليه وسلم كماثبت في الصحيحين بعد أن خطب الرجال أتى الى النساء فوعظهن، وذكرهن...الخ 
ب- في الدروس والمحاضرات
١٦- أفرد لهن النبي صلى الله عليه وسلم يوما، ومكانا مستقلا عن الرجال، كما في المسند عن أبي هريرة قال جاء نسوة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن يارسول الله مانقدر عليك في مجلسك من الرجال فواعدنا يوما نأتيك فيه، فقال موعدكن بيت فلانة، وأتاهن في اليوم، ولذلك الموعد....)) الحديث، وهذا الدرس خاص، وهو كالدورة العلمية لهن،وأما دروسه صلى الله عليه وسلم التي كان يلقيها في المسجد فكن النساء يحضرنها وهن في مصلاهن البعيد عن الرجال

يتبع

( الاسلام والاختلاط)(٣)

ومن وسائل الاسلام في منع الاختلاط:
ج= في المشي في الطريق العام
١٧- نهاهن النبي صلى الله عليه وسلم أن يختلطن بالرجال، او يمشين معهم في وسط الطريق،ففي سنن ابي داود عن ابي أسيد الانصاري انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنساء(( استأخرن فليس لكن أن تحققن الطريق- اي تمشين في وسطهن- عليكن بحافات الطريق، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى ان ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به))
( القواعد العامة لتحريم الاختلاط)
وكما دلت النصوص السابقة على فصل الرجال عن النساء، وحرمة اختلاط بعضهم ببعض لغير ضرورة، فقد دلت بعض القواعد الفقهية، والنصوص العامة على حرمة ذلك، ومن هذه النصوص، أو القواعد:
١٨- حديث(( الحلال بين والحرام بين، وبينهما امور مشتبهات، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام...)) متفق عليه، ولولم يكن الاختلاط من الحرام البين على سبيل الفرض، فهو من المشتبهات، وأي شبهة أعظم من اجتماع الرجال والنساء تحت سقف واحد، يتبادلون فيه النظرات، والابتسامات، والأحاديث الجانبية...و..و..الخ
١٩- ومن القواعد المحرمة للاختلاط( قاعدة سد الذرائع)، وهذه القاعدة تؤكد على معنى متفق عليه بين العلماء وهو: ان كل مايؤدي الى الحرام فهو حرام، وقد ذكر الفقهاء أمثلة كثيرة على هذه القاعدة من ذلك: تحريم النظر الى المرأة الأجنبية، والخلوة بها، ومصافحتها، وتحريم سفرها بلامحرم، وذلك سدا لذريعة الفجور والفاحشة
ومما ينبغي أن يذكر في هذه الأمثلة: الاختلاط بين الجنسين لغير ضرورة، فانه يشتمل على أضرار كثيرة، منها:
١- منها النظر المحرم المشار اليه، والذي لايمكن منعه من أي طرف مهما كان ورعه، ومنزلته، وسنه، ولايخفى على احد مخاطر هذا النظر، ومايؤدي اليه من عواقب وخيمة،كإثارة الغرائز الجنسية وتهيجها، ومن ثم الوقوع في الزنا، كما في الحديث(( والعينان تزنيان، وزناهما النظر))
٢- ومنها: التعارف الذي يؤدي الى الكلام، ثم الاستلطاف، ثم رفع الحواجز في الكلام، والضحك، والذهاب، والمجيئ، والجلوس معا، وقد رأى احد الدعاة مجموعة من الاعلاميين في أحد المطاعم وتتوسطهم اعلامية شابة، فأنكر عليهم فردوا عليه بكل بساطة انها زميلتهم، فأجابهم هل يرضى احدكم ان تكون هذه الاعلامية اخته او زوجته او احدى محارمه فأصابهم الوجوم، لكن لاحياة لمن تنادي
٣- نشوء علاقات عاطفية بين البعض، ولو من طرف واحد، وقد عايشت انا ذلك بحكم تدريسي في الجامعة، فقد جاءتني طالبة الى مكتبي محجبة حجابا اسلاميا كاملا، وهادئة جدا، ولم ألاحظ عليها أي سلوك خاطئ، تطلب مني أن أتوسط لها عند المندوب الطلابي ليتقدم لخطبتها، لأنها كما تقول: قد وقعت في غرامه، وهو لايشعر، الخ هذه السنفونية المخزية ولاأقول الحزينة، وحدث عماشئت من هذه الصور المأساوية، والتي احتفظ بكثير منها، وماذلك الابسبب جريمة الاختلاط، الذي اوجد هذه النماذج السيئة، وماأكثرها
٤- ومن أضرار الاختلاط: اضعاف العلاقات الزوجية، ان لم يكن تدميرها بالكلية، اذ أن في الاختلاط يشاهد الرجل الفتاة الرشيقة، والجميلة، ورخيمة الصوت وعذبته، الخ ماهنالك من الاوصاف الجذابة، وكذلك تشاهد المرأة الرجل، والشاب الوسيم، المفتول العضلات، ذا القامة السامقة، والرجولة الظاهرة، فتضعف في قلب كل منهما عاطفته الزوجية، ان لم تنته بالمرة عندما يقارن الرجل بين من يراه من الفتيات، وبين زوجته، وتقارن هي كذلك بين من تراه من الرجال وبين زوجها.
ومن النكات المتداولة ان شخصا من هذا الصنف كان يمشي في الطريق وهو يشاهد هؤلاء الفتيات الجميلات، ويبصق بكثرة عن يساره، فسئل عن ذلك، فقال: انه يبصق على زوجته، وهي في بيتها
وحدثني شخص ان شخصا رؤي وهو يتحدث مع فتاة يهودية جميلة، فأنكر عليه، وقيل له: ألاتعلم أن هذه يهودية؟ فقال: اليهودية التي في البيت، ويقصد زوجته
وهذه القصص وان كانت تسرد من باب النكتة الا أنها لاتبعد عن واقع كثير من الناس، بل لا أغرب اذا قلت ان مثل هذا قد حدث في عهد الصحابة،فإن زوجة ثابت بن قيس بن شماس خطيب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد من بشره بالجنة رأته زوجته يوما وهو مقبلامع بعض أصحابه، وكان قصيرا بينهم، ولم يكن وسيما فكرهته، وأتت الى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت اني أكره الكفر في الاسلام، وطلبت أن يطلقها منه فأجاز لها أن تخالعه وترد عليه ماأخذته منه مهر
٥- الانحطاط الاخلاقي المجتمعي، ولست مضطرا أن أدلل على ذلك، لأن الغرب قد كفاني المؤونة، الا أني أسوق قصة قرأتها للداعية النابلسي، حيث قال: جاءني شخص، وقال لي : ان امرأتي تخونني كل ليلة مع جاري، منذ سنتين، حيث تضع لي الحبوب المنومة بعد العَشاء، فأذهب في نوم عميق، حتى كانت ليلة من الليالي، لم أشرب الشاي، وتظاهرت بالنوم، فاكتشفت دخول جاري، ونومه مع زوجتي، فسأله النابلسي، كيف حصل التعارف بينهما؟ فقال: زارني جاري يوما فدعوت زوجتي للجلوس معنا، معتبرا أنه أخ حميم لي، فقال له النابلسي: أنت السبب، أنت الذي عرفته على زوجتك، فأنت الآن تدفع ثمن غبائك، وجهلك بالشرع
يتبع

الاسلام والاختلاط)(٤) والأخيرة

( شبهات حول الاختلاط)
يورد مؤيدوا الاختلاط ودعاته بعض الأدلة التي يرون انها تجيز الاختلاط عموما، في حين انه لم يستدل بها احد من علماء الأمة المتقدمين قبلهم على ذلك، ولاأدري هل فات هؤلاء العلماء جميعا فقه هذه المسألة حتى استدركها عليهم هؤلاء القوم، على انه يجب أن يعلم ان هذه الادلة هي حوادث عينية لاتقوم بها الحجة عندالفقهاء لما يكتنفها من تأويلات كثيرة، ماعدا حديث عبدالله بن عمرو، ويأتي الجواب عنه
وممايوردونه من أدلة في هذه المسألة:
١- وجود الاختلاط بين الرجال والنساء في عبادات عدة،كالطواف، والسعي، ورمي الجمرات، ممايعني جوازه عموما لأنه اذا جاز في العبادة ففي غيرها من باب اولى
والجواب: ان هذا الاختلاط هو من ضروريات الدين لاستحالة الفصل بين الرجال والنساء، او ايجاد ايام خاصة بهن يؤدين العبادة فيها، ثم هو لايترتب عليه أي من الأضرار التي تترتب على الاختلاط المحرم،من التصاق، وتعارف، وكلام متبادل، واستلطاف، ونظرات مشبوهة، ومواعيد، ولقاءات متجددة، والجميع في هذه العبادات مشغول بنفسه، وبعبادة ربه، والتذلل والخضوع بين يديه، ولاأحد يفكر في احد،ولا أحد ينظر الى احد من الرجال والنساء الامن شذ، فضلا عن أن يكلمه، او يتعرف عليه، وقد كن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهن أزواجه صلى الله عليه وسلم يطفن مع الناس بعيدا عنهم، وغير مختلطات بهم، فقد روى البخاري عن ابن جريج قال أخبرني عطاء اذ منع ابن هاشم النساء من الطواف مع الرجال، قال كيف يمنعهن، وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال؟ قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: اي لعمري، لقد أدركته بعد الحجاب، قلت: كيف يخالطن الرجال؟ قال: لم يكن يخالطن، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة من الرجال، لاتخالطهم)) ومعنى حجرة:اي ناحية
وفي صحيح البخاري ان أم سلمة رضي الله عنها، اشتكت فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها:(( طوفي راكبة من وراء الناس)) او كما قال
فأين هذا من اختلاط اليوم المشبوه، والموبوء،والمملوء بالمفاسد، من نظر محرم،وتعارف،وكلام متبادل،ولقاءات متجددة، أو دائمة، كالعمل، والدراسة، ونحوهما
٢- حضور النبي صلى الله عليه وسلم عرس الربيع بنت معوذ، ففي صحيح البخاري عنها قالت: جاء النبي صلى الله عليه وسلم، يدخل حين بني علي، فجلس على فراشي، فجعلت جويرات لنا يضربن بالدف، ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، اذ قالت احداهن: وفينا نبي يعلم مافي غد، فقال:(( دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين))
وليس في هذا الحديث أي دليل على الاختلاط، لأنه لم يرد أي ذكر لحضور رجل غير النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم، وهو كالوالد للجميع، فلايقاس عليه غيره، ولان ظاهر الحديث يدل على وجود زوجها، وبعض اهلها معها كماهو حال الاعراس، ولاحتمال ان ذلك كان قبل الحجاب، فلايستقيم لدعاة الاختلاط مع هذه الاحتمالات الاستدلال به
٣- حضور النبي صلى الله عليه وسلم كذلك عرس أبي أسيد الساعدي، ففي الصحيحين عن سهل بن سعد الساعدي قال: دعا ابو اسيد الساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرسه، وكانت امرأته يومئذ خادمهم، وهي العروس)) الحديث
وليس في هذا الحديث أيضا أي دليل على جواز الاختلاط لأنه كما سبق في حديث الربيع: لايوجد دليل على حضور غير النبي صلى الله عليه وسلم، فلايقاس عليه غيره، حتى سهل راوي الحديث لادليل على حضوره، وروايته لحال العرس يمكن انه اخذها عن أبي اسيد، ولو افترض حضور غيره صلى الله عليه وسلم فيحتمل ان يكونوا من محارمها، ولو افترض وجود غيرهم، فيحتمل ان يكون ذلك قبل الحجاب، على أن زوجها كان معها، واذا كان مع المرأة زوجها، او وليها، ودعت ضرورة الى ذلك مع أمن الفتنة فلاحرج
٤- حديث فاطمة بنت قيس، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لها: اعتدي عند أم شريك، ثم قال: تلك امرأة يغشاها اصحابي، ولكن اذهبي الى ابن ام مكتوم، فكوني عنده فانه رجل اعمى تضعين ثيابك عنده)) الحديث رواه مسلم
وليس فيه كذلك لدعاةالاختلاط اي دليل لامن قريب ولامن بعيد، لأن المقصود هو أن تعتد في بيت ابن ام مكتوم، وليس أن تجلس معه لأنه لم يكن في بيته لوحده،بل كان معه زوجته وأولاده
وأما قوله صلى الله عليه وسلم عن ام شريك تلك امرأة يغشاها اصحابي، فالمقصود أنهم يأتون لبيتها لا أنهم يجلسون معها لكونها كانت تصنع لهم الطعام، ويحتمل اذاكانت تبرز لهم انهامن القواعد، او ان ذلك كان قبل الحجاب، او انهم كانوا لايختلون بها، بل كان معها بعض اوليائها
٥- حديث ان الرجال والنساء كانوا يتوضؤون جميعا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري
ان من يفهم من هذا الحديث ان المرأة الصحابية كانت تتوضأ أمام الرجال فتكشف عن وجهها، وتحسر عن ذراعيها وشعرها وقدميها فقد انتقص من الصحابة، ودينهم، وأخلاقهم، وانما المقصود بقوله( جميعا) يعني الرجال مع الرجال، والنساء مع النساء، بحيث لايطلع الرجال عليهن وهن يتوضأن، او انه يجمعهم الماء لأنه في مكان معين ثم يتفرقون عند الوضوء
٦- حديث عبد الله بن عمرو أن نفرا من بني هاشم دخلوا على اسماء بنت عميس فدخل ابو بكر الصديق وهي تحته يومئذ فكره ذلك، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: لم أر الاخيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(( ان الله قد برأها من ذلك)) ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وقال(( لايدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة الا ومعه رجل او اثنان)) رواه مسلم
هذا الحديث مشكل جدا، من حيث ان رجلين، او ثلاثة لايؤمن جانبهم تجاه المرأة، ويمكن التواطؤ منهم عليها، ولأن الذي دخل على اسماء بنت عميس ليس رجلا واحدا، بل عدة رجال، كما يدل عليه لفظ( نفر) الذي يعني اثنان فمافوق الى العشرة، فكيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وهو أصلا لم يدخل عليها رحل واحد، بل عدة رجال
ولذلك فإني أرجح وهم الراوي ممن هو دون عبد الله بن عمرو، او ان المقصود: لايدخل احد على امرأة غاب زوجها الا ومعه رجل او رجلان مع أمن الفتنة كوجود ولي لها
وسؤال اوجهه الى دعاة الاختلاط المتدينين هل يرضى احدكم ان يخلو رجلان ولو كانا من أتقى عباد الله بإحدى محارمكم او بزوجاتكم ولو كانت الخلوة لمصلحةدينية؟ هذا هو مفهوم حديث عبدالله بن عمرو الظاهر اذا كنتم ترضون ذلك فعلى الغيرة والرجولة السلام
انتهى.

ليست هناك تعليقات: