لا تكفي العاطفه لإقامة الشريعة!‫#‏الشيخ_علي_القاضي‬


استمعت امس لابي محمد الجولاني قائد النصره في سوريا ولمست الصدق والاخلاص والصلاح بارزا في حديثه وسمته نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله احدا وساعلق على قوله اننا نسعى الى هزيمة نظام بشار واقامة دوله اسلاميه تحكم بالشريعه الخ
وهذا التصريح ما احبه الى قلبي بل وقلب كل مسلم نقي الفكر من لوثة التغريب والعلمنه والجهل ففي اقامة الشرع عز الدنيا والاخره 
*ولكن يابى فقه السياسه الشرعيه هذه الِطيبه والاريحية في التصريح وكأن الجولاني يتحدث في لقاء خاص بالعلماء والدعاة وكانه لا يعلم بإسقاط حكام العرب والغرب لمرسي واحرقوا مؤيديه في رابعه لاحتمال اقامته بعض الشرع او هزيمة العلمانيه والأفكار الهدامه في مصر وارتباط الامة بدينها اكثر فكيف لو صرح بما سبق وكأن الجولاني لا يعلم ايضا بان عدم هزيمة الحوثيين في اليمن سببه تخوف حكومات عربيه من الاصلاح الذي يقاتل مع التحالف ضد الحوثي رغم خطر الحوثي على دول الخليج 
وكأنه ايضا لا يعلم بمساندة اغلب حكام العرب والغرب لمحاولة الانقلاب الفاشل بحمد الله على اردوغان الذي لايحكم بالشريعه ولا يمنع المراقص والخمور والعُري الخ ولكنه فقط يحاول مجرد محاوله ارجاع الامه لدينها ومناصرته لقضاياها والتخفف البسيط من العلمانيه وتغيير ما امكن من المنكرات واقامة ما امكن من المعروف
فهل من فعل ماسبق مع من يعتبرهم الجولاني مفرطين او منحرفين سيسمح له باقامة دوله اسلاميه وهو الذي لايرى غير السيف وسيلة للحكم ويكفر بالانتخابات وبكل آليه توافق عليها العالم للوصول للحكم 
* لابد من فقه الواقع ان اردنا حقا نصرة الاسلام ويشمل :اولا معرفة قدرات الاعداء وامكاناتهم الهائله في كل المجالات العسكريه والاقتصاديه والاعلاميه والاستخباراتية الخ فالشرع لا يامر ١٠٠ بجهاد ١٠٠٠ ولا اعزل بجهاد مسلح ولا ضعفاء بجهاد أقوياء الخ
ثانيا: معرفة امكانات النصره او غيرها من الحركات الاسلاميه وهي إمكانات تعتبر في كل مجال صفر او قريبة منه او بنسبه يستحيا من ذكرها مقارنة باضعف حكومة عربيه فضلا عن حكومة غربيه 
ثالثا: معرفة واقع الامه او على الاقل معرفة واقع واستعداد الناس الذين تريد اي حركه حكمهم بالشريعه الاسلاميه وواقع الامه يقول انها غير مؤهله لان تحكم بالاسلام في هذه الفتره فالتلوث الفكري يكتسح كوباء خبيث ملايين المسلمين وجعلهم خصوما الِداء لكل دعوة للحكم بالشريعه لاسيما بعد ما أضيف اليها من مشاهد الذبح والسبايا وتفجير المساجد والاسواق الخ البشاعات وكل المسلمين صلحاء وطلحاء يريدون ان يعيشوا بامان يدرس اولادهم في المدارس والجامعات ويتعالجون في المستشفيات ويعيشون بوضع اقتصادي معقول او على الاقل كوضعهم في ظل الدول العلمانيه العربيه فليسوا على استعداد للعيش تحت حكم جماعه تقصفها عشرات الدول برا وبحرا وجوا وتُحاصر وتموت جوعا ومرضا وحياتها التعليميه والصحيه وكل مجالات معيشتها العاديه معطله اوشبه معطله لن تصبر الامه على ذلك وان سكتت فتره لخوفها 
* ان تجاهل كل ماسبق وغيره من معوقات تطبيق الشريعه في هذا العصر والقفز فوق كل ذلك ليس الا حماسه اسلاميه عاطفيه غير مدروسة العواقب لا تثمر غير سفك دماء المسلمين وخراب بلدانهم وتشويه الاسلام كما انها عاطفه غير مقتفيه سنن الله في التغيير والبناء ومهملة احكام وقواعد الفقه في حال الاضطرار وحال الاختيار حال الضعف وحال ألقوه واليكم بعض هذه القواعد
* القاعده الاولى لايبين العالم من احكام الشرع الا ما يمكن علمه والعمل به وعليه ان يتدرج في البلاغ كما تدرج النبي عليه السلام حتى لا يفتن الناس بتحميلهم مالا يطيقون
قال شيخ الاسلام ابن تيميه(العالم قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن، كما أخر الله سبحانه إنزال وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيانها، فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما كان بيانه لما جاء به الرسول شيئًا فشيئًا بمنزلة بيان الرسول لما بعث به شيئًا فشيئًا، ومعلوم أن الرسول لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به، ولم تأتِ الشريعة جملة، كما يقال: إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع.
فكذلك المجدد لدينه والمحيي لسنته لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به، كما أن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يلقن جميع شرائعه ويؤمر بها كلها. وكذلك التائب من الذنوب والمتعلم والمسترشد لا يمكن في أول الأمر أن يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم؛ فإنه لا يطيق ذلك، وإذا لم يطقه لم يكن واجبًا عليه في هذه الحال، وإذا لم يكن واجبًا لم يكن للعالم والأمير أن يوجبه جميعه ابتداءً، بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان كما عفا الرسول عما عفا عنه إلى وقت بيانه، ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرمات وترك الأمر بالواجبات؛ لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط، فتدبر هذا الأصل فإنه نافع)
مجموع الفتاوى٦٠/٢٠ 
* القاعده الثانيه اقامة الشريعه وتحكيمها واجب يسقط بالعجز اويطبق منها ما امكن عند القدره طالما عجزنا عنها كلها ولنا عموم الادله المشترطه للقدره عند كل واجب و في قصة يوسف والنجاشي أسوة فالعجز مسقط لكل واجب قال الامام ابن القيم (ومن قواعد الشرع الكلية أنه لا واجب مع عجز، ولا حرام مع ضرورة )
اعلام الموقعين ١٧/٢
* فان قالوا لسنا عجزه كما تقول فلنا قدره على تحقيق شيء وان سبب أضرارا كبيره لكننا عملنا مابوسعنا قلنا لايعتبر عند ائمة الاسلام مستطيعا استطاعه شرعيه من قدر على فعل بعض الواجبات مع مشقه هائله او اضرار فادحه فلا يجب عليه فعل الواجب ان ادى لهذه المفاسد 
قال شيخ الاسلام ابن تيميه( فالشرع لا ينظر في الاستطاعة الشرعية، إلى مجرد إمكان الفعل، بل ينظر إلى لوازم ذلك، فإذا كان الفعل ممكنا مع المفسدة الراجحة لم تكن هذه استطاعة شرعية )
منهاج السنة النبوية٤٩/٣
وقال أيضاً (والاستطاعة في الشرع: هي مالا يحصل معه للمكلَّف ضرر راجح ... )مجموع الفتاوى ١٠٣/١٤ 
ونحو ذلك قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري
٥٨٨/٢
ونقله العلامه المعلمي عن اهل العلم كما في اثار الشيخ عبد الرحمن المعلمي١٩١/٢
*اذا من قدر على فعل الواجب بمشقه شديدة وأضرار كبيره بنفسه فهو عاجز لا يلزمه فعل هذا الواجب فكيف لو اضر نفسه والامه والدين وصد عن سبيل الله بتشويهه؟
قال ابن تيمية ( بل مما ينبغي أن يعرف أن الاستطاعة الشرعية المشروطة في الأمر والنهي لم يكتف الشارع فيها بمجرد الُمكنة ولو مع الضرر بل متى كان العبد قادرا على الفعل مع ضرر يلحقه جعل كالعاجز في مواضع كثيرة من الشريعة...) مجموع الفتاوى ٤٤٠/٨
*لايعني كل ماسبق التفريط بالشريعه وثوابت الاسلام والانحراف نحو العلمنه معاذ الله وانما يعني ان نعرف جيدا فقه الاستضعاف -اي الفقه حال ضعف المسلمين-
كما يسميه بعض العلماء 
فالقوة لها احكام والضعف له احكام فلا نترك الحماس والاندفاع يخدعنا ويصورنا كاقويا فالامه في غاية الضعف والتفكك بل هي في نظري تشبه حالتها في عهد التتار فعلينا ان ناخذ من الواجب ما يناسب الواقع والاسلام لا يامر بما لايمكن فعله في الواقع
قال الامام ابن القيم (فالواجب شيء والواقع شيء والفقيه من يطبق بين الواقع والواجب وينفذ الواجب بحسب استطاعته، لا من يلقى العداوة بين الواجب والواقع، فلكل زمان حكم..)
إعلام الموقعين١٦٩/٤
*واذا لم يفقه الداعاة فقه الواقع وفقه الشرع وحكموا بالشريعه فيما سيطروا عليه من القرى والمدن اضروا بالناس وشوهوا الشرع
قال الامام ابن القيم (فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله ... الى قوله ومن سلك غير هذا أضاع على الناس حقوقهم، ونسبه إلى الشريعة التي بعث الله بها رسوله)
اعلام الموقعين٦٩/١
*اخيرا كلامنا وجهناه لجبهة النصره او فتح الشام وهي تملك الاف المجاهدين وأسلحه كثيره ومع ذلك بينا عجزها عن اقامة دوله تحكم بالشريعه امام تكالب حكام العرب والعجم فكيف ببعض الشباب المتحمس هنا وهناك الذي ينادون باقامة الشريعه بالقوة ولا يزيد عددهم على العشرات ولا يملكون غير بعض الآليات وبعض الذخيره ولن يحققوا غير الاضرار بانفسهم وبالمسلمين لو مضوا في طريق اقامة الشرع بالقوة وليعلم كل مخلص للاسلام ان الاخلاص بلافقه لا ينجيه امام الله لاسيما ان اعرض عن العلماء وتجاوز الطرق الشرعيه في اقامة المعروف والنهي عن المنكر
وفقنا الله جميعا لنصرة الاسلام بفقه واخلاص وحكمه

ليست هناك تعليقات: