علامات التحزب المذموم 1 و2

( علامات التحزب المذموم)(١)



التحزب نوعان، مشروع، وممنوع
فأما التحزب المشروع فهو التحزب للحق والتعصب له، ولأهل الحق، سواء قلوا أم كثروا، لقوله تعالى( ومن يشاقق الرسول من بعد ماتبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ماتولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) وقوله( اولئك حزب الله ألا ان حزب الله هم المفلحون)
فقوله( ويتبع غير سبيل المؤمنين) دلالة على وجوب الكينونة معهم، وعدم مفارقتهم
وفي الحديث الصحيح(( لاتزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين))
والمراد من هذه النصوص ونحوها في مدح هذه الطائفة المذكورة والحزب أن يكون المسلم معهم، يؤيدهم، وينصرهم، ويحبهم، ويكثر سوادهم، لكونهم على الحق في قولهم، وعملهم، واعتقادهم، وأن من لم يكن معهم فهو مع الباطل قطعا لقوله تعالى( فماذا بعد الحق الا الضلال)
ثم المراد بهذه الطائفة والحزب هي طائفة المؤمنين في كل بقاع الأرض، وليس المراد بها جماعة معينة، أو حزبا معينا، وإن كانت الجماعة المعينة اذا لم تخرج عن إطار الجماعة العامة فهي منهم، وحكمها حكمهم
وأما التحزب الممنوع فهو التحزب القائم على العصبية، والعنصرية، والطائفية، ونحو ذلك
وقد مقت الاسلام هذا التحزب البغيض مقتا عظيما، وسمى دعاته( حزب الشيطان) ودعوته: دعوة الجاهلية، قال تعالى في طائفة المنافقين الذين تحزبوا فيمابينهم على الكفر والضلال، والكيد للمؤمنين والمكر بهم، وموالاة أعداء الله من اليهود( استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا ان حزب الشيطان هم الخاسرون)
ولما تداعى الأوس والخزرج فيما بينهم للقتال بسبب خلاف شخصي، فقال أحد الأوس: ياللأوس، وقال الآخر: ياللخزرج، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأتاهم، وقال لهم:(( أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم))، وفي حديث آخر(( ومن دعا بدعوة الجاهلية فهو من جثى جهنم، فادعوا بدعوة الله التي سماكم بها عباد الله: المسلمين)) او كما قال صلى الله عليه وسلم
...يتبع

( علامات التحزب المذموم)(٢) 

للتحزب المذموم علامات كثيرة يعرف بها، ويتميز بها عن غيره، منها:
اولا: تأييد الحزب المطلق، وتأييد سياساته، والدفاع عنه بلاتردد، سواء أكان على الحق أم على الباطل
وهذه هي الجاهلية بعينها، وماكان عليه اهلها الأولون، كما قائلهم:
وهل انا الامن غزية إن غوتٔ غويت،،،،وان ترشد غزية أرشدِ
ومن مات على هذه العقيدة فميتته جاهلية كما في الحديث الصحيح، وقد علل الشرع ذلك، بكون هذا الشخص عاش وهو يدعو الى العصبية وينصرها، ومات على ذلك، وكفى بهذا الحديث زاجرا وواعظا، لمن كان له قلب، أو عقل، أو مسكة من إيمان
ثم أليس النبي صلى الله عليه وسلم يقول(( انصر أخاك ظالما أو مظلوما)) ومامعنى نصرته ظالما؟ هو حجزه ومنعه من الظلم لاتأييده في ظلمه وباطله،وكذا جاء تفسيره في الحديث، فهل يتفق هذا الأدب النبوي مع التأييد المطلق ياأهل الحكمة والايمان؟
ثانيا: الغضب للحزب اذا انتقده أحد بحق، سواء جاء الانتقاد من داخل الحزب، او من خارجه
وليس عندي تفسير لهذا الغضب الا أنه صادر عن جهل، او كبر، او عصبية، وكلها مذمومة في الشرع، وأسوأها الكبر والعصبية، لأنهما من الكبائر، ويستحق صاحبهما العقوبة في الآخرة، والذم في الدنيا، والجهل صاحبه على خطر كبير، ولايزال شأنه في سفال حتى يرجع الى الحق، ويلتزمه
ثالثا: تبرير سياسات الحزب الخاطئة غير المحتملة، وقلت غير المحتملة لأن هناك من الأخطاء ماهو محتمل، وذو أوجه متعددة، ويجد المرء له مخرجا، بل وأحيانا مخارج متعددة في الشرع، وهذا يعذر صاحبه، ويلتمس له منهاالأقرب الى إعذاره، لكن هناك من الأخطاء ماهو بين وواضح، ومالايحتمل الا وجها واحدا فقط، ومع ذلك تجد هذا الفرد يدافع عن هذا الخطأ دفاعا مستميتا، ويبحث له عن مخارج وتبريرات ليس لها حظ من الشرع، وينسى في خضم هذه العصبية الجاهلية قوله تعالى( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) وقول النبي صلى الله عليه وسلم(( اذا عملت الخطيئة في الأرض، كان من حضرها وكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها ورضيها كمن حضرها))
رابعا: تجميد، أو تهميش، أو فصل كل من يوجه للحزب النقد الهادف البناء
فهل رأيتم حزبية مقيتة أشد من هذه؟ إذ أن المتحتم هو قبول هذا النقد، وشكر صاحبه، لاتجميده، أو فصله، كون ماقام به هو من النصيحة الشرعية، التي يتوجب سماعها وقبولها، خاصة اذا كانت في محلها، وبضوابطها
خامسا: الولاء والبراء لأجل الحزب
أي ماأمره به الحزب ان يواليه والاه، وماأمره به أن يعاديه عاداه، من غير نظر الى جواز ذلك من عدمه في الشرع، أو اكتفاء بمصدر الأمر لأنه محل ثقة في دينه، ورتبته
فأين هم في هذا من قوله تعالى( انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)
ثم ألا يعلمون أن هذا هدم لأصل من أصول الايمان؟
وأخيرا فإني لا أقصد بهذا حزبا معينا، ولا جماعة معينة، وأقول لكل فرد في هذه الأحزاب والجماعات: أيدوا كماشئتم، واغضبوا لأحزابكم، وجماعاتكم، وبرروا لها سياساتها ومواقفها، ووالوا من شئتم، وتبرؤا ممن شئتم، ولكن في حدود الشرع، ومن دون غلو، ولاعصبية.....

ليست هناك تعليقات: